في سِلسِة انتقالات البطاركة الموارنة الى مَقرّاتٍ مُتَعَدِدة، شَهِد دير سيّدة ديرونا في قرية بَرحليون نقلةً نوعية، تمثلت في كونه أول ديرٍ خارج منطقتَي جبيل والبترون يَستقبِل بطريركاً ويُصبح بفضلِ إقامته فيه في عداد الأديرة البطريركية. فقد كانت انتقالات البطاركة الموارنة تَنحَصِر ما بين أديرة كفرحَيّ ويانوح وإيليج ولِحفد وهابيل وكفيفان والكفر وحردين.. وكُلَها واقعة حيث ذكرنا. ولم يكن البطاركة في ذلك الزمن (أوآخر القرن الثالث عشر) قد وصلوا بعد حتى الى دير سيّدة قنّوبين الذي أصبح لاحقاً مقرّاً بطريركياً رئيسياً، فيكون دير سيّدة ديرونا في بَرحليون قد أحرز قَصَب السَبق على دير قنّوبين، ودشَّن أول انتقال بطريركي الى الشمال الأبعَد حيث جِبَّة بشرّي التي تقع فيها بَرحليون وديرها.
بَرحليون هذه كانت، في التقسيمات الادارية الحديثة تابعة لقضاء الكورة، ولكنها، غُبَّ تعديلاتٍ أجرتها الحكومة على حدود بعض الاقضية، تُبِّعت مع قرى متريت وبيت منذر ومزرعة بيت ابي صعب لقضاء بشرّي. وفي كتابٍ لإبن هذه القرية الخوري حنا كرم ان اسمها يعني "الإبنَ الحلوَ المُستَحَبّ"، ويَختَصِر الدكتور أنيس فريحة هذا التفسير حاذفاً منه الصفة الأخيرة: "المستَحِبّ" ليكتفي فقط بـ "الإبن الحلو". أمّا ابناء القرية فيقولون ان اسمها يعني "البئر الحلو"، مُستندين في ذلك الى أنها ملأى بخوابي الدبس ومعاصر العنب.
وبَرحليون هذه تَقعَ على أكِمَة مُطِلّة على البحر وعلى منطقة الكورة.. في جوار جبَّة بشرّي، وفيها بيوت أثرية ومعالم تعود الى مختلف العصور التاريخية، ونواويس محفورة في الصخر إستُخدمت لدفن الملوك والأمراء، مع أديرة أثرية أهمُّها سيّدة ديرونا الذي يَكتَسِب اسمه في تفسير الأب هنري لامنس من ان هذه الكلمة تعني "الدير الصغير"، ويعود تاريخ هذا الدير الى العام 1280.
والمراحل التاريخية التي مَرَّت على هذه القرية تَخلَّلتها إضطرابات عديدة أبرزها هَجَمات المماليك، والتهجير على يد العُثمانيين وآل حماده، فَتَهدَّمت أديرتها ومعالمها الأثرية.
البناء يتألف من قسمين: الدير والكنيسة. والدير شِبه مُهدَّم، وقد بقي منه عدد من الجدران التي رُمِّمت مرّاتٍ عدَّة، إضافةً الى غُرف مُتَهدِمة وأقبية مُهمَلة، وتَضُمُّ بئرين ومَعصَرة قديمة العهد. وفي العام 2016 بدأت إعمال تشييد بناء جديد مكان الدير القديم.
أمّا الكنيسة فقد رُمِّمَت في أواسط القرن الماضي، بعدما أصابها من إعتداءات، وما لَحِقها من مفعول الزمن والقِدَم، بحيث نُهبت مُحتوياتها من الأيقونات والمباخر والشماعدين وقطع الفسيفساء، كما أُحرقت الكُتب الدينية والليتورجية.
ويَستند الأب حنا كرم في كتابه الى أرشيف بكركي ليقول ان تاريخ الدير يعود الى عهد الصليبين، مشيراً الى أنه يُحيط به كثير من الآثار الصليبية كالبُرجين اللذين يقال لهما "السَريج" و"القامّوعة"، والحصن الصليبي المُسمّى "مغارة الدلماس" التي تَطلّ على قرية طورزا، والتي تقوم على جَرْفٍ صخريّ يعلو حوالي 100 متر، وفيها رواق طبيعيّ يضمُّ مَجموعةً من الحُجرات والفجوات على شكل غرف، وهي ذات موقع إستراتيجي من حيث أنها تُشرف على القِسم الباقي من طريق القوافل القديم الذي كان يربط ما بين ساحل طرابلس ودمشق مارّاً بجبال لبنان والبقاع، وهذا ما يُفسّر الطابع العسكري لهندستها؛ والقسم الباقي من هذا الطريق يقع تحت قرية بيت منذر. وفي الغُرف كُسَر من الفخّار ونبلة حديدية تَدُل على أن هذا الحِصن كان مأهولاً ما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، كما يوجد فيه أيضاً كوىً لرماية الأسلحة النارية.
ويُرجِّح الكاتِب ان اسم "الدلماس" الذي تحمله هذه المغارة يعود الى كلمة "دلماسيا" التي هي إحدى مُقاطعات صربيا في البلقان، كان سُكانها يرتدون لباساً مشابهاً للباس رؤساء الكهنة، خالصاً من ذلك الى أنه ربما كان سُكان هذه المغارة من الرهبان الذين يلبسون لباساً مُشابهاً، وقد يكونون جاءوا من دلماسيا للتنسك في منطقة قاديشا كما جاء غيرهم من الرهبان.
ومن مصادر المعلومات التاريخية عن هذه المغارة إن التقليد الشَعبيّ يَذكُر إن قُطَّاع الطُرق المَحليين قد إستعملوها حِصناً لهم، وهو ما نَستقيه من كتاب "مغارة الدلماس او الحصن المعلَّق" للأستاذ بطرس عون.. في الجزء الخامس منه المُعَنوَن "لبنان الجوفيّ" .
والأب حنا كرم، في كتابه الذي أشرنا اليه، يقول إنه لم يُعرَف، رُغمَ البحث والتدقيق، مَن جعل دير سيّدة ديرونا في بَرحليون مركزاً بطريركياً، مُقدّراً أن يكون البطريرك لوقا البنِهراني، لأنه اول مَن نقل المقرَّ البطريركي الماروني من بلاد جبيل والبترون الى جبّة بشرّي. وموقع البطريركية كان إحدى التلال في قرية بَرحليون التي صارت تُعرف باسم ديرها، أي "سيّدة ديرونا".
هذا البطريرك تُسقِطُه بعض سَلاسِل البطاركة الموارنة من عداد البطاركة، مع إن ذكره كبطريرك وارد عند بعض البطاركة بالذات كالبطريرك بولس مسعد (1854-1890) الذي قال أن البطريرك لوقا كان يقيم في قريته بنِهران شتاءً، وفي دير مار قوزما ودميانوس في فصل الربيع، ويقضي فَصل الصيف في دير سيّدة ديرونا- بَرحليون. ويوضح لنا الأب كرم مَوضِع دير مار قوزما ودميانوس بقوله أنه يقع في قرية بنِهران (مسقط رأس البطريرك لوقا)، قُربِ مزرعة شيرا التابعة لقرية بَرحليون.
وقرية بنِهران هذه هي اليوم واحدة من القرى الشيعية الخَمس في تلك المنطقة والتي منها بَحبّوش وزغرتا المتاولة، إلا أنها كانت في الماضي قرية مَسيحية بدليل الكنائس والأديرة الموجودة فيها والتي ما تزال آثارها باقية الى يومنا، وقد تَحوَّلت الى قرية شيعية على غرار قرية حجولا في بلاد جبيل التي منها البطريرك جبرائيل حجولا واليوم هي مأهولة بالشيعة.
وفضلاً عن شِهادة البطريرك بولس مسعد (1854-1890) بوجود البطريرك لوقا البنِهراني فإننا نَجِد في الكتاب الموسوم بـ "سورية المُقدَّسة" المَطبوع في روما سنة 1695 أنه "بعد دانيال الحدشيتي انتُخب لوقا وكان من بنِهران بِسَفح لبنان من عمل بشرّي". كما أن الدويهي رَوى ان انتخابه كان في سنة 1283 التي فيها فَتَحَت العساكر الإسلامية جبَّة بشرّي.
ويوضح الدويهي سَبَب الغَضَب على هذا البطريرك بقوله أن جبرائيل أسقف لافقسية بقبرس المعروف بإبن القلاعي وَهَمَ إن هذا البطريرك مال الى قول راهبَين تَشَبَّثا بأن المسيح لم تَكن فيه نفس بشرية، بل ناب عنها اللاهوت، وزاغا عن الإيمان الصحيح، فأرسل الحَبر الروماني يُنذرهم، فَلَم يشأ البطريرك قبول قصّاد البابا. فقد قال ابن القلاعي بهذا الصدد:
والبطريرك ما راد يقبلهم، يُسمّى لوقا من بنِهران
كثر الشرّ وصاروا غرضَين، وثار الانشقاق من أجل إثنَين
في ذا السبب أبنوا بُرجين وقَسَموا المُلك في ذاك الآن
فأفرد الدويهي الفصل التاسع من كتابه في ردّ التُّهم لتفنيد قول إبن القلاعي، مُثبتاً أن هذا الضِلال لم يكن بلبنان قَطّ (أبداً)، وإن أيام هذا البطريرك كانت مُرعِبة بالحروب على الموارنة في جبَّة بشرّي وكسروان فلم يكن وقت لإشتغال الشعب أو رؤسائه بالمباحث الدينية. وقد إتهمه بياجيوس صاحب الكتاب الموسوم بـ "سورية المقدَّسة" إنهإ إتَّبع بِدعَة المشيئة الواحدة، فقام عليه الروساء والشعب وعقدوا مَجمعاً حطّوه فيه عن مقامه البطريركي وأقاموا مكانه البطريرك جبرائيل من حجولا سنة 1290. وأضاف الدويهي ان "تِهمَة البطريرك لوقا بهذا الضلال باطلة ولا مُسند لها، ولو إفتُرِضَت صحيحةً لتبيَّن مِنها غيرة الموارنة على الإيمان القويم بِحَطِّهم بطريركهم". (لا بدَّ من الإشارة الى أن البطريرك حجولا ليس هو الذي خلف البطريرك لوقا البنِهراني...).
ذكرنا ذلك لنُثبت أن لوقا البنِهراني كان بطريركاً فعلاً من بطاركة الطائفة المارونية، وإن دير سيّدة ديرونا اكتسب صِفَة المقرّ البطريركي من كون هذا البطريرك قد إتخذه مركزاً صيفياً له.
كل ما يُعرَف عن هذا البطريرك أنه كان يُدعى "لوقا بطرس الأول"، حاملاً اسم "بطرس" على غرار ما يفعله البطاركة عادةً، وقد كُنّي باسم قريته بنِهران حَسبَ العادة القديمة المألوفة في لبنان بنسبة الشخص الى قريته. وبالنسبة الى هوية هذا البطريرك يقول الأب حنا كرم: "لا نَعرِف بالتحديد ما اذا كان اسم هذا البطريرك في الأصل لوقا ام إنه إتخذه على غرار أسلافه من البطاركة". ويُتابِع الأب كرم قائلاً: "انتُخب البطريرك لوقا البنِهراني على السِدَّة البطريركية بعد البطريرك دانيال الحدشيتي، وقد كان أول مَن جَعَل من لبنان الشمالي مقرّاً للبطريركية المارونية في بنِهران وبَرحليون، وبالتحديد في دير مار قزما ودميانوس ودير سيّدة ديرونا. وقد كان بطلاً عظيماً، ومُحارباً شُجاعاً، فهيَّأ نفسه للذَودِ عن البلاد. وقد أحكم سَيطَرته على المناطق الجبلية في لبنان الشمالي، وتصدّى للولاة الذين هابوا سَطوَته وحَسَبوا له ألف حساب".
هذا ما قاله الأب حنا كرم عن هذا البطريرك، وطَبعاً لم يُبدع ذلك من نفسه بل أخذه عن مصادر تاريخية. وقد عَرِفنا أصل التهمة التي وُجِّهت اليه بالضلال والحياد عن الإيمان الكاثوليكي والناشئة عن زجلية ابن القلاعي، لكن يظهر، كما في كل الظروف المُماثلة، إنَّ التُّهَم، وإن كانت باطلة، تُستَغَل سياسياً لمُحاربة الشخص لسَببٍ او أسباب لا علاقة لها بالتهمة الاساسية.
والسبب السياسي هنا ذو وجهَين: سياسيّ مَحِض، وسياسيّ يتغطّى بثوب الدين والإيمان. الأول، والكلام دائماً للأب حنا كرم، ان نِزاعاً حَصل بين الصليبيين في كونتية طرابلس كان سببه السياسة التي انتهجها Charles d’Anjou ملك صِقلية وشقيق ملك فرنسا لويس التاسع، والتي أغضبت صاحب كونتية طرابلس بوهيموند السابع، مِمّا أدّى الى حربٍ أهلية بين صاحِب مدينة جبيل غي الثاني أمبرياك، يُناصره فرسان الهيكل (Templiers)، وأسقف طرابلس للاّتين Paul، من جهة، وبوهيموند السابع من الجهة الثانية.
والظاهر أن البطريرك لوقا البنِهراني ناصَر صاحِب جبيل ضد صاحِب طرابلس، واستمال إليه عدداً لا يُستهان به من أهل الجبل الموارنة، وإستغوى أهل تلك الجبال. ولما حاول غي الثاني سنة 1283م الاستيلاء على طرابلس فَشِل، ووقع في الأسر وحُكم عليه بالموت، فأسرع بوهيموند السابع الى انتخاب بطريرك جديد للموارنة هو إرميا الدملصاوي.. بغية إضعاف الطائفة المارونية والقضاء على البطريرك لوقا.
ويَعتمِد الأب كرم على دراسة للدكتور كمال الصليبي حول قصة لوقا البنِهراني تَدلُ على أن قضيته هي قضية مَحض سياسية، تِنخَرِط في إطار الصراع على السُلطة بين المُتنافسين الصليبيين ولا علاقة لها بصِحة العقائد الدينية.
أمّا القضية السياسية الثانية فهي ان الخلاف في جوهره كان خلافاً سياسياً بين موالاةٍ للغرب بشخص الصليبيين وكرسيّ روما وبين مَيل الى نوع من إستقلال الموارنة وعدم انجرافهم في التبعية للغرب. وهي قضية سياسية تَتَردّى بثوب الدين، ونأخذ تفاصيلها من تحليل المؤرخ الدكتور كمال الصليبي الذي قال إنه إبّان الوجود الصليبي في لبنان انقسمت القرى المارونية، فتقارب موارنة الساحل من الصليبيين، بِعَكس موارنة الجرود الذين تحفَّظوا تجاه الفرنجة، ونتج عن ذلك مَيل أهل الساحل، ومعهم الإكليروس الماروني، للدخول في طاعة روما والإتحاد معها، فانتهى الأمر بموارنة جِبَّة المنيطرة وناحية لحفد بالخروج عن طاعة البطريرك. ويرى الصليبي ان هذا الخلاف أدّى الى انتخاب بطريركين للطائفة المارونية: الأول خارج عن طاعة روما، وهو البطريرك لوقا البنِهراني، والثاني موالٍ لها هو إرميا الدملصاوي، وانتهى هذا الإنشقاق باختفاء البطريرك لوقا صدفةً بعد هجوم التركمان على جبة بشرّي...
نرى من ذلك أن القضية الإيمانية التي استُغلَّت ضِد البطريرك، تُدرَج في خانة الصراع ما بين الذين انحازوا الى روما في مُحاولاتها الجاهدة لضمّ مسيحيي الشرق تحت جِناحها أسوة بمسيحيّي الغرب، وهو شكل من أشكال سياسة الدول الغربية الدائمة للسيطرة على الشرق وإستعماره، وقد وُفِّقت في ذلك حتى عصرنا هذا. فمِن جِهة كانت روما تَنعُت المسيحيين المُنشقّين عنها بالهرطقة والخروج عن الإيمان الصحيح، ومن جهةٍ ثانية كانت تُحاول ليتنة الطوائف الشرقية الكاثوليكية وإلغاء تَمَيُّزها الطقسيّ وطابِعها الخاص. وكان لها دُعاة من أجل ذلك بين الإكليروس المارونيّ والشعب، كما كان هناك رافضون لهذا الذوبان في اللون الغريب الذي يُلغي وجه المسيحية المشرقية وتُراثها الليتورجيّ الثمين وإرثها الحضاريَ ويُبدّل هويتها بِهوية مُستعارة لا صلة لها بها.
وهناك رواية حول مَن هو البطريرك الثاني الذي كان يَقتسِم ولاء أبناء الطائفة مع البطريرك لوقا البنِهراني، قائلةً أنه البطريرك دانيال الحدشيتي الذي كان قائماً منذ العام 1278، فانتُخب إزاءه البطريرك لوقا في العام 1282.
لكنَّ الأباتي بولس نعمان، في كتابه "المارونية في أمسِها وغدِها"، يقول: "في العام 1282، بعد وفاة البطريرك دانيال الحدشيتي، انتخب الموارنة بطريركين: لوقا البنِهراني زعيم الخارجين عن طاعة الفَرنجَة كسُلطةٍ سياسية ودينية، وكان مركزه الحدث، وإرميا الدملصاوي الموالي لروما والفرنجة ومركزه حالات". وهكذا نُلاحظ إن جميع المؤرخين يُجمعون على وجود بطريركين إثنين في وقتٍ واحد، ولكنَّ الإختلاف بينهم هو حول الأسماء.
على كل حال فإن مَقتَل البطريرك الحدشيتي وإختفاء البطريرك لوقا هو ما أدَّت إليه حَملَة المَماليك، فأدّى خِدمةً للكنيسة المارونية بعودة الوحدة اليها برئاسة بطريركٍ واحد، كما أدّى خِدمةً للكنيسة الغربية بتفرُّد بطريركٍ ماروني واحد برئاسة طائفته وهو موالٍ لها.
ولكن لماذا لم يَذكُر مُعظم المؤرخين البطريرك لوقا في عِداد البطاركة الموارنة ولو كانوا من الشاجبين له ولموقفه، إذ أن وجوده، بصورةٍ شرعية أو غير شرعية، حَصَل لبعض الوقت؟! السبب هو إن اغفال ذِكره في عداد البطاركة الموارنة، لا يعود الى عَدَم وجوده، بل الى امتناعهم عن اعتباره بطريركاً شرعياً، خوفاً من إدراج اسم بطريرك شاذّ في عِرفِهم عن عقيدة طائفته، فكيفَ يَصِحّ أن يكون بطريركاً عليها؟
إنه مِمّا لا شك فيه وجود بلبلة في ما يتعلق بالبطريرك لوقا البنِهراني، كما هنالك لَغَط حول لقب "بطرك الحدث" ما بين الحدشيتي والبنِهراني. ونَذكُر في هذا الإطار ما جاء في دراسة قَدَّمَها "مركز فينيكس للدراسات اللبنانية" في العام ٢٠١١ حول ما اكتشفته "الجمعية اللبنانية للأبحاث الجوفية" من الأجساد البشرية المُحنطة طبيعياً، مع العديد من قِطَع الثياب والحُلى، في مغارة من مغاور وادي قاديشا، وقد صدرت في مُجَلَّد ضَخم تَصَدَّرَ صفحاته اهداء الى لوقا البنِهراني "بطريرك الحدث" !!!.
Our Lady of Dayrouna – Barhalioun
During the series of transfers of the Maronite patriarchs to various headquarters, the monastery of Our Lady of Dayrouna in the village of Barhalioun witnessed a qualitative shift represented, as it became the first monastery outside the regions of Byblos and Batroun to receive a patriarch and, thanks to his residence there, became one of the patriarchal monasteries. The movements of the Maronite patriarchs were limited to the monasteries of Farhi, Yanouh, Elige, Lehfed, Habil, Kfifan, Kfour, and Hardin. The patriarchs at that time (the late thirteenth century) had not yet reached the Monastery of Our Lady of Qannoubine, which later became a main patriarchal seat. So, the Monastery of Our Lady of Dayrouna in Barhalioun inaugurated the first patriarchal transfer to the far north, in Jubbat Bechareh.
Barhalioun was part of the district of Koura, but, due to the amendments made by the government on the borders of some districts, they subordinated the villages of Mitrit, Beit Munther, and Mazraat Beit Abi Saab to the district of Bechareh. In a book written by Father Hanna Karam, we read that the name of this village means “the sweet and desirable son.” Dr. Anis Freiha abbreviated this interpretation, deleting the last adjective, “desirable,” and stuck with the definition of “sweet son.” As for the people of the village, they say that its name means “the sweet well,” claiming that it is abundant with molasses and grape presses.
Barhalioun is located on a hill overlooking the sea and the Koura area, in the vicinity of Jubbat Bechareh, and it contains ancient houses and landmarks dating back to different historical eras, and sarcophagi carved in the rock that were used to bury kings and princes. There are also archaeological monasteries, the most important of which is Our Lady of Dayrouna, a name which means, according to Father Henry Lamins, “little monastery", and the history of this monastery dates back to the year 1280.
This village’s history was punctuated by many disturbances, most notably the attacks of the Mamluks, and the displacement of the villagers at the hands of the Ottoman Turks and the Hamada family, so its monasteries and archaeological monuments were destroyed. When the priest Youhanna Trad was ordained a priest at the monastery of Our Lady of Dayrouna, he worked on restoring it and established a school in it that teaches children to read and write in addition to religious education. At a later stage, this monastery was turned into a center for spiritual retreats for the members of the Maronite diocese in Jubbat Bechareh, and a library was established in it containing valuable books and volumes in the Syriac language.
The building consists of two parts: the monastery and the church. The monastery is almost in ruins, and several walls that have been restored several times remain, in addition to dilapidated rooms and neglected cellars in the walls of which are various windows. It also includes two wells and an old press. In 2016, construction work began on a new building in place of the old monastery.
As for the church, it was restored in the middle of the last century, after the attacks it suffered and the toll that time and antiquity took on it. Its contents, including icons, incense burners, candlesticks, and mosaic pieces were looted. Religious and liturgical books were also burned.
In his book, Father Hanna Karam relies on the archives of Bkerki to write that the history of the monastery dates back to the era of the Crusaders, pointing out that it is surrounded by many Crusader monuments, such as the two towers called “Al-Sarij” and “Al-Qamo’ah” and the Crusader fortress called “The Cave of Dalmas” that overlooks the village of Tourza, which is based on a rocky cliff about 100 meters high, and has a natural portico that includes a group of rooms and gaps in the form of rooms. It is strategically located and it overlooks the remaining section of the old caravan route that linked the coast of Tripoli and Damascus passing through the mountains of Lebanon and the Bekaa, which explains the military nature of its architecture; The rest of this road is located under the village of Beit Mundhir.
In the rooms, pottery shards and an iron dart indicate that this fort was inhabited between the thirteenth and fourteenth centuries, and there is also a niche for shooting firearms.
The writer suggests that the name "Dalmas" that this cave bears is related to the word "Dalmatia", which is one of the provinces of Serbia in the Balkans. The inhabitants of this cave wore similar clothes to the dress of the chief priests, and they may have been monks who came from Dalmatia to practice asceticism in the Qadisha region, as other monks did.
Popular tradition mentions that local bandits used it as a fortress, which is what we derive from the book “The Cave of Dalmas or the Hanging Fort” by Professor Boutros Aoun in its fifth part, titled Underground Lebanon.
Father Hanna Karam, in his previously mentioned, says that it was not known, despite research and scrutiny, who turned the monastery of Our Lady of Dayrouna in Barhalioun into a patriarchal center, deeming that Patriarch Luke Al-Banharani was the first to transfer the Maronite patriarchal headquarters from Byblos and Batroun to Jubbat Bechareh. The patriarchate was located on one of the hills in the village of Barhalioun, and it adopted the name of its monastery, “Our Lady of Dayrouna.”
This patriarch is not mentioned on some of the lists of the Maronite, although he is mentioned as a patriarch by some patriarchs in particular, such as Patriarch Paul Massad (1854-1890), who said that Patriarch Luke used to reside in his village of Nahran in the winter, and in the monastery of Mar Quzma and Damianos in the spring, and spends Summer in the Monastery of Our Lady of Dayrouna - Barhalioun. Father Karam explains to us the location of the monastery of Mar Kozma and Damianos by saying that it is located in the village of Nahran (the birthplace of Patriarch Luke), near the Shira farm in the village of Barhalioun.
The village of Nahran is today one of the five Shiite villages of that region, including Habboush and Zgharta Al-Matawleh. In the past, however, it was a Christian village, as evidenced by the churches and monasteries in it, of which the ruins remain to this day. It turned into a Shiite village like the village of Hojoula in the district of Byblos, from which Patriarch Gabriel Hojoula hails.
In addition to the testimony of Patriarch Boulos Massad (1854-1890) about the existence of Patriarch Luke Al-Banharani, we find in the book titled “Holy Syria” and printed in Rome in 1695 that “after Daniel Al-Hadashiti, Luke was elected, and he was from Nahran.” Al-Doueihy also narrated that his election was in the year 1283, in which the Islamic soldiers arrived at Jubbat Bechareh.
Al-Doueihy explains the reason for the anger against this patriarch by saying that
Gabriel, a bishop of an episcopate in Cyprus, known as Ibn al-Qala’i, spread the rumor that this patriarch agreed with two monks clinging to the heresy of Abu Linar who claimed that Jesus did not have a human soul. The Roman pontiff sent a warning with a representative that the patriarch refused to receive. Ibn al-Qala’i stated:
“The patriarch, Luka, the son of Nahran, refused to receive them
Fueling anger and discord
So two towers were erected and the power was divided in two”
Al-Doueihy dedicated the ninth chapter of his book to refuting the accusations of Ibn Al-Qala’i’, proving that what he was claiming had never occurred in Lebanon and that the days of this patriarch witnessed terrifying wars against the Maronites in Jubbat Bechareh and Keserwan, which meant there was no time for the people or their leaders to engage in religious investigations. Pelagios, the author of the book titled “Holy Syria,” accused him of heresy, so the leaders and the people rose against him and held a council in which they removed him from his patriarchal position and installed him in his place Patriarch Gabriel of Hojoula in 1290. Al-Doueihy added that “the accusations against Patriarch Luke were misguided and had no basis.” (It must be noted that Patriarch Hojoula is not the one who succeeded Patriarch Luke Al-Banharani.)
We mentioned this to prove that Luke Al-Banharani was a patriarch of the Maronite community and that the monastery of Our Lady of Dayrouna acquired the status of the patriarchal residence from the fact that this patriarch had designated it as his summer residence.
All that is known about this patriarch is that he was called "Luke Peter the First", bearing the name "Peter", as the patriarchs usually do. His surname was derived from the name of his village of Nahran, according to the old Lebanese custom.
Regarding the identity of this patriarch, Father Hanna Karam says: “We do not know exactly whether this patriarch’s name was originally Luke or if he adopted it as his predecessors did with their names.
Father Karam continues, saying: "Patriarch Luka Al-Banharani was elected to the patriarchal seat after Patriarch Daniel Hadchiti, and he was the first to make northern Lebanon the seat of the Maronite Patriarchate in Nahran and Barhalioun, specifically in the monastery of St. Qesma, Damianos and the Monastery of Our Lady of Dayrouna. He was a great hero and a brave warrior. He prepared himself to defend the country, and he tightened his control over the mountainous areas in northern Lebanon, and he confronted the Turkish rulers who feared him and took him very seriously.
Father Hanna Karam, of course, did not make up this description but rather derived it from historical sources. We have mentioned the accusation of perversion and deviation from the Catholic faith leveled against him by the zealous Ibn al-Qala’i, but it appears, as in all similar circumstances, that the accusation, even if false, was politically exploited to fight the person for a reason or reasons unrelated to the main accusation.
The political reason here is twofold: a purely political one, and a political one that is covered under the guise of religion and faith. The first, according to Father Hanna Karam, is that a dispute occurred between the Crusaders in the County of Tripoli, which was caused by the policy pursued by Charles d'Anjou, King of Sicily and brother of the King of France, Louis IX, which angered the ruler of the County of Tripoli, Bohemond VII. This led to a civil war between the ruler of the city of Byblos Guy II Umbriac, backed by the Templars, and the Latin Bishop of Tripoli, Paul, on one side, and Bohemond VII on the other.
It seems that Patriarch Luka Al-Banharani took the party of the ruler of Byblos against the ruler of Tripoli and won over a significant number of Maronite peasants. When Guy II tried in 1283 AD to take over Tripoli, he failed, was captured, and sentenced to death. Bohemond VII rushed to elect a new Maronite patriarch, Jeremiah Al-Damlsawi, to weaken the Maronite community and eliminate Patriarch Luke.
Father Karam relies on a study by Dr. Kamal al-Salibi on the story of Luke al-Banharani, which indicates that his case was a purely political issue in the framework of the power struggle between the crusader rivals and had nothing to do with the validity of religious beliefs.
As for the second political issue, it is that the dispute, in its essence, was a political dispute between loyalty to the West which was represented by the Crusaders and the seat of Rome, and a tendency towards a kind of independence for the Maronites and their not being drawn into subordination to the West. It was a political issue that degenerated under the guise of a religious dispute. Dr. Kamal Al-Salibi, in his analysis, said that during the Crusader presence in Lebanon, the Maronite villages were divided, and the Maronites of the coast came close to the Crusaders, unlike the Maronites of the mountains who were conservative towards the Franks, and this resulted in the inclination of the people of the coast, and with them, the clergy, to pledge obedience to Rome and unite with it; this ended with the Maronites of Jubbat al-Munaitra and Lehfed on the other hand, rebelling against the patriarch. Al-Salibi believes that this dispute led to the election of two patriarchs for the Maronite community: the first rebelling against Rome in the person of Patriarch Luke Al-Banharani, and the second loyal to it, in the person of Jeremiah Al-Damlsawi. This disagreement ended with the sudden disappearance of Patriarch Luka after the attack of the Turkmen on Jubbat Bechareh.
The issue of faith that was exploited against the patriarch is part of the conflict by those who sided with Rome in its striving attempts to include the Christians of the East under its wing, like the Christians of the West, On one hand, Rome was calling its dissident Christians heretics and deviants from the true faith, and on the other hand, it was trying to reshape the Eastern Catholic sects and abolish their ritual distinction and special character. It had advocated for this among the Maronite clergy and the people, but some rejected this assimilation that would obliterate the face of Eastern Christianity and its precious liturgical and civilizational heritage and change its identity completely.
A contradictory account claims that while Patriarch Luke was elected in 1282, he came after Patriarch Daniel Hadshiti who had been elected before him, in 1278.
But Abbot Paul Naaman, in his book “Maroniteness Today and Tomorrow,” says: “In the year 1282, after the death of Patriarch Daniel El Hadchiti, the Maronites elected two patriarchs: Luke Al-Banharani, the leader of those who disobeyed the Franks as a political and religious authority, and his headquarter was in Hadath, And Jeremiah al-Damlusawi, loyal to Rome and the Franks, and his headquarters was in Halat.” Thus, we note that all historians agree on the existence of two patriarchs at the same time, but disagree on their names.
In any case, the Mamluk campaign led to the killing of Patriarch Hadchiti and the disappearance of Patriarch Luke.
This was a great service to the Maronite Church because it was again united under the leadership of one patriarch. It was also a service for the Western Church who now only had to deal with one Maronite patriarch who was loyal to the West.
But why did some historians not mention Patriarch Luke among the Maronite patriarchs, since his presence, legally or illegally, has been proven?! The reason is not his non-existence, but rather their reluctance to consider him a legitimate patriarch for fear of including the name of a patriarch, who, in their opinion, diverges from the doctrine of his own sect and therefore cannot logically be its highest authority.
Undoubtedly, there is confusion regarding Patriarch Luke Al-Banharani, and there is confusion about the title of "the Patriarch of Al-Hadath" between Hadshiti and Al-Banharani. In this context, we recall what was stated in a study presented by the "Phoenix Center for Lebanese Studies" in 2011 about what the "Lebanese Society for Underground Research" discovered, including naturally mummified human bodies, along with many pieces of clothing and jewelry, in a cave in Wadi Qadisha. In that regard, it dedicated a huge volume of which the pages are topped with a dedication to Luke Al-Banharani, "the Patriarch of al-Hadath”.