قصر المزار - غزير

يَعود تاريخ قَصر المزار في غزير إلى الحقبة الرّومانية، فَوِفْقًا لعدّة مؤرّخين، تَقوم ركائِز المبنى الحاليّ للقَصر على أساسات برج رومانيّ قديم، كان يَربط ما بين البرج الرّومانيّ في طبرجا قُرب خليج الأكوامارينا حاليًّا وبُرج مِعراب الّذي بدَوره كان يربطه بِبُرج فقرا ومَعبَدها، ومن هناك كان ينتقل الحُجّاج الرّومان إلى سَهل البقاع ومَعابِد بعلبك، أي أنّ قصر المزار يقع على الطّريق الرّوماني القديم المُمتَدّ من ساحل خليج جونيه إلى سهل البقاع، وقد أثبتت الحفريّات العديدة في جوار قصر المزار تاريخ تلك الحقبة الرّومانيّة الّذي ظهر جليًّا من خلال تقنيّة بناء أقنية جرّ المياه وبعض الأدراج.

 

وتَسمية قَصر المزار تَعود لِفتَرة تَولّي بني عَسّاف الحكم على منطقة كسروان. ففي عَهدِهم كانت التّلَّة الّتي يقع عليها القصر تَضُمّ مقامًا لأحد الأولياء من الطّائفة الشّيعيّة ويُدعى الخليل.وإنّ ذلك المقام كان مَزارًا ومَحَجًّا للتّبَرُّك منه، لذلك عُرف باسم "المزار"، وقد أطلقت على القصر بمجمله التّسمية عينها في ما بعد.

 

أمّا القصر الحاليّ فقد بناه الامير بشير الشّهابيّ الثّاني، إبن بلدة غزير، في بداية القرن التّاسع عشر، على أنقاض البُرج الرّومانيّ، وذلك لابن شقيقه. قام الأمير عبدالله حسن شهاب سنة 1838 بِجَرّ قِسم من مياه نبع المغارة بواسطة قناة خاصّة الى المزار على يد المهندس نخله أنطوان خضرا، والقناة الحجريّة لا تزال قائمة حتّى تاريخه.

 

 وسنة 1880 اشترى المونسينور لويس إسطفان زوين من أولاد الأمير عبدالله شهاب دَارَهم في غزير في المحلّ المُسمّى المزار وأضاف إلى المبنى الطّابق الأخير، وعدَّل في الكثير من أجزائه ووسَّعه وحوَّله إلى مدرسة عُرفت بـ"مدرسة مار لويس"، كما شَيّد بالتّزامُن مع حَملة التّوسيع والتّجديد مبنًى شرقيَّ المدرسة ضمَّ كنيسة مار لويس ملك فرنسا التّاسع وشفيع المدرسة، وقد كانت حينها من أجمل كنائس البلدة والمنطقة، ولكنّها تصدَّعت جرّاء الزّلزال الّذي ضَرَب لبنان عام ١٩٥٦ وهُدمت في ما بعد.       

 

نشأت مدرسة مار لويس، وذاع صيتها، بفضل المونسينيور لويس زوين الأوّل، وعُرفت بـ "أوّل معهد لبناني خاص"، وأعطت رجال دين ودنيا أمثال الطّوباوي أبونا يعقوب الكبّوشي (خليل حدّاد)، والرّئيس اللّواء فؤاد شهاب، والشّاعر المعروف الأخطل الصّغير(بشارة الخوري)، والمطران الياس ريشا ، والشاعرالصّحافيّ وديع عقل وكذلك الصّحافيّان أمين الغريّب ويعقوب روفايل... وعدد كبير من أولاد أعضاء مجلس إدارة جبل لبنان الّذين لا تزال أسماؤهم موثّقة في سجلّات المدرسة المحفوظة في مكتبة عائلة زوين.

 

وفي 16 شباط 1894 توفّي المونسينيور لويس إسطفان زوين، مؤسّس المدرسة، غير متجاوز الـ 53 من عمره، فدُفن في ضريحٍ مُعَدٍّ له إلى جانب كنيسة مار لويس في المزار. من بعده، تَسلَّم المدرسة والأملاك شقيقه وابنه المونسينيور لويس زوين (الثّاني) ، وابنه الثّاني جورج زوين. وخلال ولاية المونسينيور لويس زوين (الثّاني) اشتُهرت مدرسة المزار في فرنسا بفضل التّوأمة بينها وبين مؤسّسات ثقافيّة فرنسيّة.. ولا يزال هناك ما يقارب حوالي 200 كتاب و 300 مخطوطة عائدة كلّها لمدرسة المزار في تلك الحقبة. (قسم من هذه المخطوطات، كالمراسلات الدّيبلوماسيّة، نُقلت صور عنها إلى السّفارة الفرنسيّة بناءً على طلب طاقمها في العام 1997).

 

وسنة 1905 شيَّد المونسينيور لويس زوين (الثاني) الى جانب المدرسة برجًا يَحتَضِن ساعةً ذات أربعة أوجه، وذلك تخليدًا للذّكرى الـ 25 لتأسيس المدرسة، ووضع على واجهته الجنوبيّة الشّرقيّة تمثالًا نِصفيًّا لمؤسّس المدرسة عمّه المرحوم المونسنيور لويس زوين الأوّل، ولوحة تذكاريّة رخاميّة كُتبت عليها العبارة التّالية :

 

" عرفان الجميل للطيّب الذكر المرحوم المونسنيور لويس زوين في العيد الفضّي لتأسيس مدرسة مار لويس في غزير – سنة 1905. "

 

“ EN MEMOIRE DU 25eme ANNIVERSAIRE DE LA FONDATION DU COLLEGE ST. LOUIS GHAZIR PAR SON FONDATEUR M.G.R LOUIS ZOUAINE – 1905. 

         

وهنا تَجدُر الإشارة إلى أنّه تمّ عام 1999 تكليف فريق متخصص بإعداد دراسة شاملة حول السّاعة، الّتي كانت المعلومات عنها مفقودة، فلا كبار السّن في البلدة يذكرون عن تفاصيلها شيئًا ولا مديريّة الآثار...وبعد أعمال التّنقيب الّتي حصلت بإشراف مديريّة الآثار، إكتُشفت اللّوحة التّذكاريّة المذكورة أعلاه والمؤرِّخة لساعة المزار في أسفل البرج، وكانت مُكَسَّرَة ومُبعثرة...

 

كما وُجدت، بِفَضل الدّراسات الّتي جَرَت من قِبَل المكتبة الشّرقيّة التّابعة للجامعة اليسوعيّة في بيروت ، نسخة من عدد لجريدة "البشير" تاريخ 24 تموز 1905 ورد فيها ما حرفيّته:

 

" كُتب لنا من غزير أنّ الاحتفالات الّتي أقيمت بمناسبة يوبيل مدرسة القدّيس لويس كانت شيّقة ، فقد توارد عليها في هذه الفرصة عدد كبير من قدماء طلّابها وكثيرون من الأعيان منهم:

 

سعادتلو ميشال أفندي إدّه ممثل دولتلو خليل باشا والي بيروت، الّذي استقبلته لجنة اليوبيل في محطّة المعاملتين.

عزّتلو نجيب أفندي البستاني ممثّل دولتلو مظفّر باشا متصرّف جبل لبنان.

مندوب عن قنصليّة فرنسا.

وفي اليوم التّالي للعيد جرى الاحتفال بتدشين ساعة دَقّاقة نُصبت في المدرسة كتِذكار ليوبيلها، وكانت المدرسة في مساء كلّ يوم تظهر بحلّة من الأنوار السّاطعة وتشاركها في الزّينة بيوت الكثيرين من الأهالي".

 إنتهى نصّ جريدة "البشير".

 

كما نُشير أيضًا إلى أنّ ساعة قصر المزار الفريدة هي واحدة من السّاعات الثّلاثة العائدة للفترة العثمانيّة (أيّ ساعة ساحة التّلّ في طرابلس وساعة السّراي الكبير في بيروت) وهي من أقدمِها، وقد صَمَّمها المهندس الفرنسيّ نفسه التّابع للرّهبنة اليسوعيّة والّذي صَمَّم مبنى البطريركيّة المارونيّة في بكركي ومدرسة مار يوسف عينطورة والإكليريكيّة الكبرى وكنيستها في غزير .

وفي ما بعد، خلال الحرب العالميّة الأولى (١٩١٤-١٩١٨)، أقفلَت المدرسة أبوابها وسافر المونسينيور لويس زوين (الثّاني)، بِسَبَب الظّروف السّياسيّة الى فرنسا، ومنها الى بوسطن في الولايات المتّحدة الاميركيّة، حيث أسَّس رعيّةً مارونيّة هناك، وتوفّي بعدها في أميركا، ونُقل جثمانه الى مقابر مدرسة المزار في غزير.

وسنة 1922 إحتضن المزار ميتمًا تُشرِف عليه جمعيّة "NEAR EAST RELIEF" الأميريكيّة، الّتي كانت تَهتمّ باللّاجئين الأرمن الهاربين من المَجازِر العُثمانيّة، حيث أُقيم فيه مَشغلٌ للسّجّاد بالإضافة لمشغلٍ آخر في سوق البلدة.

 كما تَبَيَّن أنّ قِطعةً نادرة من تلك السّجّادات الّتي حيكت في غزير، موجودة في البيت الأبيض في الولايات المتّحدة الأميركيّة،  إذ كانت قد أُرسِلَت كهديّة من الأيتام الأرمن في غزير إلى الرّئيس الأميركيّ كوليدج الّذي دَعَم جمعيّة "NEAR EAST RELIEF" ، وقد وصلت هذه السّجّادة الضّخمة والفريدة إلى البيت الأبيض بتاريخ 4 كانون الأوّل 1925 والتُقطت صور للرّئيس ومعاونيه لدى استلامها، وقد كُتبت على القسم الخلفيّ من هذه القطعة النّادرة عبارة:

 

                 IN GOLDEN RULE GRATITUDE TO PRESIDENT COOLIDGE   

 

كما تَجدُر الإشارة إلى أنّه صَدَر مؤخّرًا كتاب خاص عن هذه السّجّادة في الولايات المتّحدة يؤرّخ تاريخها، وعبرها تاريخ النّضال الأرمنيّ والذّكرى المئويّة للمذبحة الأرمنيّة، وقد دعم الكتاب وتلك الحملة العديد من النّوّاب والوزراء وأعضاء من مجلس الشّيوخ والنّافذين في الولايات المتّحدة الأميركيّة .

 

وسنة 1930 أنشأ النّائب والوزير السّابق موريس زوين، مع صهره غاستون هوشر في أقبية القصر معمًلا للنّبيذ عُرف بإسم "CHATEAU MUSAR".  وقد استُعمل قصر المزار من سنة 1943 ولغاية سنة 1965 كمدرسة زراعيّة من قِبَل وزارة الزّراعة ريثما يُنجَز المبنى الجديد للمدرسة الزّراعيّة في غزير. وسنة 1970 بدأت أعمال التّرميم في قصر المزار بِسَبَب تصدُّع الجناح الشّرقيّ منه بفعل الزّلزال الّذي ضرب لبنان .

 

وقد أُدخل مبنى قصر المزار في لائحة الجَرد العام للمباني الأثريّة بموجب القرار رقم 5 تاريخ 20 أيّار 1975، واعتُبر في قرار التّصنيف "من المباني المُجايلة لقصور بيت الدين ودير القمر"، وأهمّ ما يُميّزه هو رواقه الدّاخلي والقناطر المُحيطة به والبِركَة الوسطيّة وواجهته الغربيّة".

وكان قد شَغَل مُهجّرو الحرب اللبنانيّة المبنى منذ العام 1976 وحتّى العام 2000 تاريخ إخلائه.

أخيرًا ، وبتاريخ 26/5/2012، أُطلقت أعمال ترميم وإعادة تشغيل ساعة قصر المزار الأثريّة تحت إشراف مديريّة الآثار، وذلك خلال حفل أقيم في باحة القصر وحديقته، وعادت ساعة قصر المزار تدقّ منذ بداية العام 2013 .

أمّا حاليًّا فقد أصبح القصر مركزًا ثقافيًّا اجتماعيًّا.

 أُدرِجَ على الخارطة السياحة في العام 2024

 

Location: https://goo.gl/maps/msoY3BPBHL8GbqxP7

الكتابات:

https://youtu.be/rQfmE31r9qo?list=PLtuhNwQjShozxsGzj9H0loYEAKyz7BR_J&t=30