يقع مزار سيدة المنطرة في بلدة مغدوشة، وهو مزار مريمي اكتُشف في 8 أيلول 1721 على يد راعٍ شاب. ويُروى أنّ الكهف يعود للعصور القديمة، وهو يضم إضافة إلى الكهف المقدّس برجًا يعلوه تمثال للسيدة العذراء حاملة الطفل، وكاتدرائية، ومقبرة. يستمدّ المزار تاريخه من التقليد المقدّس الذي يذكر أنّ العذراء مريم كانت تنتظر ابنها فيه. ومنذ اكتشافه، يعجّ المزار على مدار السنة بالعائلات والمُصلّين، خصوصًا في عيد ميلاد السيدة العذراء الموافق فيه 8 أيلول من كلّ عام.
يتفق العديد من المؤرخين على أن تكريم العذراء مريم في لبنان حلّ محل عبادة عشتروت الفينيقية، إلهة الحبّ. فقد حُوّلت المعابد والمزارات المُكرّسة لعشتروت إلى أماكن عبادة مسيحية تكرّم العذراء. وينطبق ذلك أيضًا على مغدوشة، حيث توجد بقايا مزار مكرّس لعشتروت بالقرب من سيدة المنطرة.
في عهد الإمبراطور قسطنطين، أوّل امبراطور مسيحي، طلبت والدته القديسة هيلانة سنة 324 هدم جميع المعابد والتماثيل الوثنية المكرسة لعشتروت. ويُعتقد أن مزار عشتروت في مغدوشة دُمّر في تلك الحقبة وتحوّل إلى مكان مكرّس لأم الله. ومنذ العصور المسيحية الأولى، كان أهالي مغدوشة يكرّمون الكهف الذي يُقال إن العذراء مريم كانت تستريح فيه بينما كان ابنها يسوع يعظ في صيدا، حيث كان يستحيل عليها دخول المدن الوثنية، لذا كانت تنتظر يسوع لينهي جولاته التبشيرية على رابية تطلّ على صيدا في مغارة. وبطلب من القديسة هيلانة إلى أسقف صور تمّ تكريس كنيسة صغيرة في كهف مغدوشة، وأرسلت لأهالي البلدة أيقونة للأم والابن، إضافة إلى أثاث المذبح. ويُرجّح المؤرخون أن القديسة هيلانة طلبت من الأهالي تسمية الكنيسة، فأسموها "سيدة المنطرة" لأن السيدة العذراء كانت تنتظر ابنها هناك كما ذكر سابقًا. وكلمة منطرة مشتقة من الجذر السامي "نطر" الذي يعني "انتظر". ونلحظ على مدخل المغارة الجنوبي، تمثال صخري للعذراء جالسة تنتظر ابنها وتعلوه عبارة "أنتظر أولادي" بالعربية والفرنسية والانكليزية.
موّلت القديسة هيلانة صيانة الكنيسة واستمر التمويل لثلاثة قرون خلال الحكم البيزنطي، حتى هزم خالد بن الوليد الإمبراطور هرقل في معركة اليرموك. وبينما كان الخليفة عمر بن الخطاب الذي أصبح حاكم القدس رجلاً تقيًّا ومتسامحًا مع الأماكن المسيحية المقدسة ومع رعاياه المسيحيين، فإن بعض الحكام العرب في باقي مناطق بيزنطة كانوا أقل تسامحًا، خاصة في المدن الساحلية مثل صور وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس. وبعد أن اعتنق معظم أهالي صيدا الإسلام للاستفادة من الامتيازات الممنوحة، لجأ أهالي مغدوشة إلى مرتفعات جبل لبنان. وقد اعترف الحكم الإسلامي بالمسيحيين في جبل لبنان كجماعات مستقلة تدفع ضريبة ثابتة. وقبل هروبهم من قريتهم، أغلق أهالي مغدوشة مدخل كهف سيدة الإنتظار بالحجارة والتراب والكروم، وانتقلوا عبر مسالك جبلية إلى المناطق المسيحية. وظلت حكاية سيدة المنطرة حيّة بين أجيال أهالي مغدوشة المُهجّرين.
ورغم وصول الصليبيين إلى صيدا قرب مغدوشة، لم يدركوا أن الكهف المقدس قريب منهم، حتى أنهم بنوا حصنًا صغيرًا يُدعى "لافغانش غارد" la Franche Gardeعلى بعد أمتار قليلة من مدخل الكهف السري.
غاب أهالي مغدوشة عن قريتهم، وعاشوا معظم القرنين الثاني والثالث عشر في جبل لبنان بعيدين عنها، لكنهم عادوا إلى قريتهم في عهد الأمير الدرزي فخر الدين الثاني (1572-1635)، الذي عُرف بتسامحه وحرصه على المساواة بين الطوائف في لبنان. ومن مظاهر ذلك أنه عيّن مارونيًا كاثوليكيًا رئيسًا للوزراء، ومسلمًا وزيرًا للداخلية، ودرزيًا قائدًا للجيش، ويهوديًا وزيرًا للمالية. وقد ازدهرت إمارته وأصبحت من أغنى ولايات الدولة العثمانية.
لم يكن العثور على الكهف المقدس أمرًا سهلًا، رغم أن أهالي البلدة كانوا يقتلعون حجارة الحصن الصليبي في بناء منازلهم القريب من موقع المغارة. وفي 8 أيلول 1721، اكتشف راعٍ شاب الكهف كما ذُكر أعلاه، بعد أن سقطت إحدى غنماته في فتحة تشبه البئر في الصخر الكلسي. وعندما حاول إنقاذها باستخدام حبل، انقطع الحبل وسقط هو الآخر في الكهف، وهناك رأى ضوءًا خافتًا من جسم ذهبي، تبيّن أنه أيقونة الأم والابن التي أهدتها القديسة هيلانة إلى الأهالي. تسلّق الشاب وخرج من الكهف وعاد إلى القرية ليُخبر الناس باكتشافه.
ومنذ إعادة اكتشافه، فُتح كهف سيدة المنطرة للعامة وأصبح مزارًا هامًا في لبنان، ووضعت أعلى باب المدخل لوحة كتب عليها "إنّ مقام سيّدة المنطرة العجائبي في خراج قرية مغدوشة اكتشفه سكان القرية سنة 1721 واستخدمته كنيسة لهم ومدفن لكهنتها ومورد لوقفها" وتقع بالقرب منه اليوم مقبرة صيدا الكاثوليكية في الموقع الذي يُعتقد أن يسوع ومريم وقفا فيه. وتُقام احتفالات كبيرة سنويًا في 8 أيلول إحياءً لذكرى اكتشاف الكهف، وهوعيد مولد العذراء مريم.
وبجوار الكهف، بنى الأهالي في العام 1963 برجًا حديثًا يبلغ ارتفاعه 28 م يعلوه تمثال برونزي للسيدة العذراء حاملة الطفل، إيطاليّ الصنع، طوله 8،15 م وعرضه 3،50 م ويزن 6 أطنان. عند أسفله شُيّدت كابيلّا وزُيّنت بلوحة زيتيّة تمثّل العذراء جالسة عند مدخل المغارة والسيد المسيح في وسط غمامة يضع يده على رأس المرأة الكنعانية حيث شفيت، وراعي القطيع يحمل على كتفيه النعجة التي سقطت في ثقب سقف المغارة وكانت سببًا لاكتشافها. يوفّر البرج إطلالة بانورامية على مدينة صيدا والبحر الأبيض المتوسط والتلال والوديان وبساتين الحمضيات المحيطة.
ونظرًا لتزايد عدد الزّائرين، أوعز المطران جورج كويتر، راعي الأبرشية آنذاك، ببناء بازيليك تتسع لحوالي 1000 مقعد، وطوابق هي بمثابة قاعات ومكاتب...أما الأيقونات البيزنطية فهي إيطالية الصنع ومعظمها يمثّل حياة العذراء مريم. يكمل بناء المشروع المطران إيلي بشارة الحداد بمساعدة المحسنين. وعلى واجهة البازيليك الخارجية، لوحة كتب عليها "بازيليك سيّدة المنطرة بدء العمل في تشرين الأول 2000 في عهد سيادة المطران جورج كويتر ومتابعة سيادة المطران إيلي بشارة الحداد رئيس أساقفة صيدا ودير القمر منذ 2007 وضع التصميم ميشال وجبران يعقوب تمّ تدشين المرحلة الأولى في آب 2004".
وفي باحة الكنيسة شجرة جميزة يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر وهي تعطي ثمرًا مفيدًا سبع مرات في السنة. هذه الشجرة تُذكّر باللقاء بين يسوع وزكّا العشّار. إنجيل القدّيس لوقا (١٩، ١ - ١٠).
دخل يسوع اريحا وبدأ يجتازها، واذا رجل اسمه زكا، كان رئيسا للعشارين وغنيًا. وكان يسعى ليرى من هو يسوع، فلم يقدر بسبب الجمع لأنه كان قصير القامة. فتقدم مسرعًا وتسلق جميزة لكي يراه، لأن يسوع كان مُزمعًا ان يمرُّ بها. ولما وصل يسوع الى المكان، رفع نظره اليه وقال له: "يا زكا، أسرع وانزل، فعليَّ أن اقيم اليوم في بيتك". فأسرع ونزل واستقبله في بيته مسرورًا. ورأى الجميع ذلك فاخذوا يتذمرون قائلين: "دخل ليبيت عند رجل خاطئ". أمّا زكا فوقف وقال للرب: «يا رب، ها انا أعطي نصف مقتنياتي للفقراء، وإن كنت قد ظلمت أحدًا بشيء، فإني أردُّ له أربعة أضعاف». فقال له يسوع: "اليوم صار الخلاص لهذا البيت، لأن هذا الرجل هو أيضًا إبن لابراهيم. فإن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الضائع ويُخلصه".
دَخَلَ يَسُوعُ أَرِيْحا وَبَدأَ يَجْتَازُها، وإِذَا رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا، كانَ رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ وَغَنِيًّا. وكَانَ يَسْعَى لِيَرَى مَنْ هُوَ يَسُوع، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الجَمْعِ لأَنَّهُ كانَ قَصِيرَ القَامَة. فَتَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَتَسَلَّقَ جُمَّيْزَةً لِكَي يَرَاه، لأَنَّ يَسُوعَ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ بِهَا. وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى المَكَان، رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُ: «يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وٱنْزِلْ، فَعَلَيَّ أَنْ أُقِيمَ اليَومَ في بَيْتِكَ». فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وٱسْتَقْبَلَهُ في بَيْتِهِ مَسْرُورًا. وَرَأَى الجَمِيعُ ذلِكَ فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ قَائِلين: «دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئ». أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبّ: «يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف». فقَالَ لَهُ يَسُوع: «أَليَومَ صَارَ الخَلاصُ لِهذَا البَيْت.