مزار القديسة ماريا غوريتي في مزيارة هو مزار مكرّس لتلك الأخيرة على التلة التي اختارتها الشهيدة رايّا الشدياق، وقد سُمّيت "الورود والشموع لرايّا". بدأ العمل في حفر الأرض في 20 كانون الثاني 2018، ثم جرت مراسم وضع حجر الأساس في 22 آذار 2018 بحضور المطران جورج بو جودة، مطران أبرشية طرابلس المارونية آنذاك. في 22 أيلول 2022 نُقلت رفات الشهيدة الشابة رايّا فرنسوا الشدياق إلى قبر خاص في باحة المزار، ليكون لها مكان خاص في قلب هذا المشروع. بالقرب من ضريحها وُضع تمثال نصفي يجسّد ذكراها (1991 – 2017)، بملامح مشرقة وابتسامة هادئة ونظرة متطلعة نحو السماء، محاط بورود متفتحة تنساب من الأسفل في رمز للنقاء والحياة المستمرة بعد الرحيل. على قاعدة التمثال نُقشت العبارة: «أنا لا أموت بل أدخل الحياة» (مز 118: 17). العمل يحمل توقيع النحات طوني فرح سنة 2024. في 24 أيلول 2022 أقيم حفل تدشين المزار بحضور البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والمطران يوسف سويف، ليصبح أول مزار في لبنان والشرق الأوسط مكرّس للقديسة ماريا غوريتي.
جاءت الكنيسة على شكل وردة، تجسيدًا لشعار "وردة وشمعة لريا" الذي أطلقه والداها إحياءً لذكراها، حيث ترمز الوردة إلى المسبحة والشمعة إلى القداس. وزُرعت حول الكنيسة مجسمات أشواك ترمز إلى إكليل الشوك الذي وُضع على جبين المسيح، كتعبير عن أن الوصول إلى الملكوت يتطلب الألم والتضحية. وفي الساحة الخارجية ثلاث شموع معدنية بأحجام مختلفة: الصغرى محفور عليها درب الصليب، الوسطى عليها صليب المسيح والمسامير مع جرس يدوي وآخر كهربائي، أما الكبرى فتحمل صليب القيامة ومجسم الدينونة إلى جانب وجهيّ القديسة ماريا غوريتي والقديسة مارينا. باب الكنيسة صُمم ليجسد المرحلة الثالثة عشرة من درب الصليب، أي إنزال يسوع عن الصليب في حضن أمه مريم، وقد أُعد ليكون خلفية للمذبح في الاحتفالات الخارجية الصيفية.
القبة الداخلية مزينة بجدارية محاطة بإكليل الشوك، تُظهر المسيح الملك وسط الملائكة والقديسين في مشهد يرمز لعبور النفس من الأرض إلى الملكوت. وسط الجدارية يسطع وجه المسيح القائم فاتحًا ذراعيه بعظمة ومحبة، محاطًا بالملائكة الحاملين أكاليل الورود، فيما تحيط به العذراء مريم والقديسون مارون، شربل، رفقا وغيرهم، إضافة إلى بعض البطاركة، ورسومات متعدّدة لريا في أعمار مختلفة كما وأشخاص عاشوا الإيمان. الألوان المُتدرِّجة بين زرقة السماء وبياض الغيوم ودفء أثواب القديسين تخلق توازنًا يمنح إحساسًا بالحياة السماوية. هذه الجدارية صمَّمها الفنّان رودي رحمه الذي اختار لتنفيذها ستة رسامين أوكرانيين، عملوا على مدى 18 شهرًا لإنجاز الجداريّة.
المذبح مُزيَن بوجه المسيح محاطًا بإكليل الشوك، فيما صُنعت المقاعد المنحنية من الخشب وزُينت من الخلف بباقة ورود بارزة. داخل الكنيسة نسخة عن صورة للعذراء مريم حاملة الطفل يسوع، وهي الهدية الوحيدة التي تلقاها والدا ماريا غوريتي يوم زواجهما، وكانت العائلة تجتمع يوميًا حولها لتلاوة المسبحة، وظلت ترافقهم في تنقلاتهم من مدينة لأخرى. اللوحة الأصلية محفوظة في كورينالدو Corinaldo في إيطاليا. وتوجد أيضًا صورة للقديسة ماريا غوريتي شفيعة المزار بريشة دوري فرح - 2022. وتضم الكنيسة ذخيرة للقديسة وهي عبارة عن عظمة مأخوذة من يدها، وهي الأولى التي خرجت من إيطاليا لتستقر في لبنان، ما يضفي على المكان بعدًا روحيًا فريدًا.
بالعودة إلى رايّا، فقد وُلدت في مزيارة شمال لبنان في 14 كانون الثاني 1991، والدها فرنسوا الشدياق ووالدتها ماري دينا، وهي الابنة الكبرى ولها ثلاثة إخوة: سليم وأمير وتيريزيا. درست في مدرسة سيدة الرعاية للأخوات الموارنة المارونيات من العائلة المقدسة، ثم تابعت دراسة الحقوق في الجامعة اللبنانية – فرع جل الديب. رحلت في 22 أيلول 2017 عن عمر 26 سنة، في ظروف مشابهة لظروف حياة القديسة ماريا غوريتي. دفنت أولًا في مدافن العائلة ثم نُقلت رفاتها إلى المزار في 22 أيلول 2022 كما ذ ُكِر آنفًا. نشأت في بيت يسوده الإيمان والمحبة، وكان والداها يساعدان الفقراء والمحتاجين والمرضى، فنشأت على هذه القيم. وصفها الجميع بأنها متواضعة، مرحة، تنشر الأمل، تمسح دموع الأطفال وتواسي القلوب المكسورة، وظلت وفيّة لأصدقائها ومعلميها. كثيرون شهدوا أنها ظهرت لهم في أحلامهم تبعث الرجاء. بعد رحيلها أرسلت رسائل من السماء تطلب بناء مزار باسم القديسة ماريا غوريتي على التلة المقابلة لبيت والديها، وكانت الأرض تعود لوالدتها. إذ قالت: " أريد بالمزار ان يكون ملاذًا للفتيات اللواتي بلا صوت، يجدن فيه العزاء والدعم."
وبالعودة إلى القديسة ماريا غوريتي وُلدت في 16 تشرين الأول 1890 في كورينالدو Corinaldo بمقاطعة أنكونا la province d'Ancône في إيطاليا، من عائلة فقيرة تعمل بالزراعة. توفي والدها لويجي غوريتي Luigi Goretti مبكرًا بسبب الملاريا، فتكفلت والدتها أسونتا Assunta بتربية أولادها على الإيمان البسيط والثقة بالله. عُرفت ماريا منذ طفولتها بالتقوى وروح الخدمة، وكانت تعتبر الطهارة هدية ثمينة لله. في 5 تموز 1902، حاول جارها أليساندرو سيرينيللي Alessandro Serenelli الاعتداء عليها، لكنها قاومته قائلة: "لا يا أليساندرو، هذا خطيئة وستذهب إلى جهنم". عند رفضها طعنها أكثر من 14 مرة، فنُقلت إلى المستشفى حيث عانت يومًا كاملًا قبل أن تموت في 6 تموز 1902. قبل وفاتها غفرت له بقولها: "أغفر له من كل قلبي وأريد أن يكون معي في الفردوس." بعد سنوات في السجن عاش أليساندرو قاسي القلب، لكنه رأى ماريا في حلم تقدم له الزهور علامة الغفران، فتحوّل قلبه وتاب، وخرج ليعيش راهبًا علمانيًا.
أُعلنت ماريا غوريتي طوباوية سنة 1947 على يد البابا بيوس الثاني عشر، ثم قديسة سنة 1950 في ساحة القديس بطرس بحضور والدتها أسونتا Assunta في سابقة فريدة أن تشهد أمّ تقديس ابنتها، تلتها سابقة ثانية في أيلول 2025 يوم إعلان قداسة كارلو أكوتيس من قبل البابا لاون الرابع عشر بحضور والديه... وتُكرَّم القديسة ماريا غوريتي كشهيدة الطهارة ورمزًا للشباب في مقاومة الخطيئة والغفران المسيحي. عيدها يُحتفل به في 6 تموز من كل عام.