كنيسة مار شلّيطا - غزير

الأب فرنسيس جعارة الغزيريّ كان رجلًا عُمرانيًّا، ما إن تَولّى رئاسة دير مار الياس في غزير عام ١٨٣٠ حتّى بدأ بالبناء والإعمار. فكنيسة مار شلّيطا في كفرحباب يعود إليه فضل بنائها مع الغُرَف المُلاصِقة لها. كما عمد الأب إلى زيادة أرزاق الدّير عن طريق ضمّ العديد من الأراضي إليه، ما جعل الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الدّير  من بعده يحذون حذوه.

 

وكنيسة مار شلّيطا هذه كانت في الأصل وقفًا تابعًا لدير مار الياس في البلدة. وهي من كنائس "الحقلة"، أي الكنائس المَبنيّة في الأراضي البعيدة عن الأديار التي تَمتَلِكُها الرّهبنة، وقد سهّل وجودها على الرّهبان المقيمين في الدّير والمزارعين العاملين هناك، أمر تأدية صلواتهم خلال أيّام العمل، وذلك في مكان تواجدهم دون حاجة للعودة إلى الدّير لتأدية الواجب وإضاعة الوقت على الطّريق. فأحبّ هؤلاء الرّهبان الأرض واهتمّوا بها، فحرثوها وزرعوها بشتّى أنواع الحبوب من عدس وحمّص وقمح وغيرها، وملؤوها كروم عنب، ففاضت عليهم خيراتها. وفي باحة الكنيسة، نحتوا الصّخور وصنعوا منها معصرة للعنب، ومطحنة للقمح وجرنًا لغسل المحاصيل وسبيل ماء، ما زالت كلّها موجودة في باحة الكنيسة...  

ومع الوقت أصبحت هذه الكنيسة رعائيّة، وقد خدم فيها رهبان دير مار الياس-غزير.. قبل أن تنتقل مهمّة خِدمَتها إلى خادم رعية غزير، وهي حاليًّا رعيةً مُستقلّة.

أمّا اللّوحة الّتي تَحمِل رَسِم شفيعها القدّيس، فهي من أعمال المستشرق البولونيّ بول شلافاك Paul Schlaweck  وتَعود إلى حوالي سنة ١٨٧٠، وهي لَوحَة زيتيّة.. جَدَّدها الخوري يوسف ساسين سنة ١٩٤٠، ورَمَّمها سنة ٢٠٠٤ الفنّان عصام خيرالله.

نشير إلى أنّ باني الكنيسة، الأب فرنسيس جعارة، دخل الرّهبانيّة الأنطونيّة عام ١٨١٥ وتسلّم إدارة دير مار الياس في غزير واتّصف بغيرته على الرّهبانيّة وانتخب مدبّرًا لمرّة واحدة...ومن أعماله الأخرى إنشاء الرسالة الأنطونية في مدينة طرطوس، وقد كان المرسَل الأول الى هناك. خَدَم رَهبنتَه ٥٧ سنة، وتوفّي في الأوّل من أيّار سنة ١٨٧٣.

بالعودة إلى القدّيس شلّيطا فهو من القدّيسين الشهداء، وشفيع محبّي تراب الأرض، وحامي الفلاّحين والمُزارعين، إستشهد في أنطاكيا وكتب عنه مؤرّخون كثر وأبرزهم القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ. كان هذا القدّيس العظيم يدعى أرتاميوس  ومن أشراف المملكة الرّومانيّة، خدمها بإخلاص في عهد الامبراطور قسطنطين الكبير حتّى صار حاكمًا على بلد مصر ولُقّب بـ "الجليل العظيم". أمّا السّريان فقد لقّبوه بـ "شليطا" أيّ الحاكم المسلّط، وكان حاكمًا عادلًا مخلصًا للّه وللوطن.

ولمّا تربّع على عرش المملكة الامبراطور يوليانوس الجاحد، وراح يضطهد الكنيسة والمسيحيّين، كان القدّيس شلّيطا قد اعتزل الخدمة وأمسى شيخًا مُهابًا، مع ذلك تصدّى للامبراطور، فغضب الأخير وسلّمه إلى الجنود وأمر بجلده وتعذيبه ثمّ إنزاله في أتون محمّى ليحترق. فوسّعت النّار له محلًّا وأحاطت به لتحرسه من بعيد. عندها ربطوه بأذناب خيل هائجة فتوقّفت عن السّير. ولمّا رأى الامبراطور أنّ القساوة لم تنفع، لجأ إلى أسلوب الحيلة والرّشوة، فوعد القدّيس بأعلى المراتب شرط اعتناقه الوثنيّة، فأجاب الأخير: "أنا لا أجحد المسيح ولا أدخل في كفر الوثنيّين الممقوت...وعليك أنت أن تجدّد مواعيد معموديّتك وترجع إلى المسيح فيقبل توبتك لأنّه صبور ورحيم". عندها أمر الامبراطور بجلده ثانيةً ورميه في السّجن. وفيما هو يصلّي ظهر له المسيح وقال: "تشجّع يا شلّيطا ولا تخف لآنّي أنا معك..." ثمّ أخرجوه من السّجن ورجموه بالحجارة حتّى تكسّرت عظامه وظنّوا أنّه مات، لكنّه قام ومشى وتكلّم ومجّد اللّه. أخيرًا أمر يوليانوس بدقّ عنقه. وفي الطّريق استأذن الشّهيد الحرّاس وجثا وصلّى وإذا بصوت من العلاء يقول: "اليوم تكون معي في الفردوس".وهكذا استشهد القدّيس بقطع رأسه الّذي لم يحنه أمام الشّدائد، في إنطاكيا سنة 363 وكان استشهاده نعمة على المسيحيّة. أمّا جسده فحنّطته امرأة تدعى "أريستا" وأرسلته إلى القسطنطينيّة، وبات عند اليونان من الشّهداء الكبار، وقيل فيه: "الصّديق يموت مهانًا ويدفن مكرّمًا ويستحقّ الطّوبى للمضطهدين من أجل البرّ الذّين لهم ملكوت السّموات".

 

 

Location

الكتابات: https://youtu.be/ot_7WeD7nc4?list=PLtuhNwQjShozxsGzj9H0loYEAKyz7BR_J&t=278