يقع دير سيّدة المعونات في مدينة جبيل على تلة تطل على الشاطئ، بارتفاع ١٧٠ مترًا، وهو محاط بكنائس قديمة يحمل بعضها اسم السيدة، والبعض الآخر أسماء قديسين كمار سمعان العمودي، ومار تقلا، ومار الياس...
يقوم الدير الحالي على موقع فينيقي قديم، وتقول الرواية الشعبية بأنه كان مسكنًا لنساء فينيقيات يقمن بتقديم الذبائح ويحتفلن سنويًا بعيد قيامة أدونيس في "أفقا". رغم تسميته بدير سيّدة المعونات منذ ١٩١٤، إلا أن العديد من سكان المنطقة لا يزالون يطلقون عليه اسم "دير البنات". استلمته الرهبانية عام ١٧٧٠ من الشيخ منصور الدحداح، الذي وكّله الأمير يوسف الشهابي، ليسكن فيه الرهبان المناسبون، وسلّمه إلى الأب العام مرقس الحداد (١٧٦٩-١٧٧٢).
تعلو مدخل الكنيسة لوحة كتب عليها ما يلي:
تاريخ بناء دير سيّدة المعونات وكنيسته في عهد رياسة قدس الأب اغناطيوس التنّوري العامّة
دير البنات حقيق أن يقال له من بعد تجديده دير المعونات
إذ كان للشعب في الضيقات منتجعًا ومورد الغوث أيام الملمّات
في صدره هيكل العذراء صاعدة من صدر رهبانه خير ابتهالات
بناه رأسهم إغناطيوس على أُسِّ التقى حوله سور الكمالات
عليه للبكر تاريخ تردّده بي استعينوا أنا أمّ المعونات
١٩١٤
تحمي الجدران الخارجية الجانبية لكنيسة الدير دعائم تُعرف بالعامية بـ"البغلة"، ومن الداخل فهي معقودة بمصالب مرتفعة. وتتوسط حنيتها المُكوّرة لوحة زيتية مؤرخة عام 1952 تمثل السيدة العذراء مع الطفل يسوع، من رسم الراهب اللبناني نعمة الله المعادي، الذي صنع أيضًا منحوتات صخرية تمثل شمسًا شارقة، وقد ثُبّتت هذه المنحوتات على كافة الجسور والأنفاق الممتدة على خط سكة الحديد في لبنان، والتي تشير إلى أن تنفيذ خط سكة الحديد تم على يد القوات العسكرية الأسترالية التابعة للكومنولث عام 1942.
الدير هو من أديرة الرهبانيّة المارونيّة اللبنانيّة وقد جاء في المدوّنات أنّه في سنة ١٧٦٧:
"أنعم الأمير يوسف شهاب على الشيخ منصور الدحداح بدير سيدة المعونات المعروف بدير البنات شرقي مدينة جبيل ، وكان إذذاك خرابا، وهذا الدير يعرف بدير البنات لأنه قبل خرابه كان يضمّ لفيفًا من البنات العابدات فلقّبه الإسلام بذلك، وسبب خرابه جور المشايخ الحماديين ، وقد شملت هبة الأمير يوسف للشيخ منصور الدحداح عقارات وفيرة تابعة للدير، منها مزرعة كفر صيادا، ومزرعة كفرقوق، وخمسة دكاكين في جبيل، وعقارات على كتف عين الفرطوش، وبعد أقل من ثلاث سنوات، وتحديدا في ١٥ تشرين الثاني ١٧٧٠ ، حرّر الشيخ يوسف الدحداح صكًّا بتسليم دير سيدة المعونات إلى الرهبانيّة البلديّة المارونيّة".
ونقرأ عن موقع الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة https://olm.org.lb
تَسلّمت الرّهبانيّة، سنة ١٧٧٠، دير سيّدة المعونات - جبيل من الشّيخ منصور الدّحداح الّذي كان قد وكّله إليه الأمير يوسف الشّهابيّ، ليُسكن فيه الرّهبان الّذين يراهم مناسبين. ولمـّا تَسلّمته الرّهبانيّة، اهتمّ الرّهبان بإصلاحه. اعتبرته الرّهبانيّة سنة ١٩١١ في عداد الأديرة المحافظة على القوانين، كما اختارته مقرًّا للرّئاسة العامّة للرّهبانيّة بين ١٩١٣ و١٩٣٩ وبين ١٩٤٤ و١٩٥٠. قُبيل الحرب العالميّة الأولى، تمّ ترميم الدّير وبناء الكنيسة. سنة ١٩١٤، نَقلت الرّهبانيّة إلى هذا الدّير الرّهبان الدّارسين كما استقبلت بعض الإكليريكيّين الأجانب في جامعة القدّيس يوسف - بيروت يوم أقفلتها السّلطات الترّكيّة. من سنة ١٩٤٤ إلى سنة ١٩٤٧ إستقبل الدّير طلاب الرّهبانيّة، كما وعيّن بين سنتَيّ ١٩٦٥ و١٩٧٧ ديرًا للابتداء. سنة ١٩٤٧ باشرت الرّهبانيّة ببناء المستشفى في وسط مدينة جبيل، ثمّ نقلته سنة ١٩٧٧ إلى مجمّع كبير على تلّة قرب الدّير حيث هو الآن. وبين سنتَيّ ١٩٦٨ و١٩٧٤،تمّ بناء كنيسة رعويّة رهبانيّة على إسم مار جرجس في مدينة جبيل تابعة للدير، ويقوم رهبانه بخدمتها حتّى اليوم. كما يحوي الدير مكتبةً غنيةً بالمخطوطات والكتب في المجالات اللاهوتية، الأدبية، والتاريخية.
يُحتفل بعيد سيّدة المعونات، في الثامن من أيلول، عيد مولد السيّدة العذراء.
يذكر أنّ دير سيّدة المعونات وكنيسته تمّ بناؤهما في عهد الأباتي أغناطيوس التنوري رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية (١٩١٣-١٩٢٩). وننقل عنه ما ورد في كتاب الأب ليباوس داغر "المحترم التنّوري" الصادر عام 1980، ما يلي:
هو جرجس بن عساف داغر من بلدة تنورين الفوقا سنة 1869، اسم أمه “نَوف” توفيت وهو في السابعة من عمره. بلي أبوه بالعمى فكان جرجس الفتى الصغير يقود أباه كل يوم إلى الكنيسة… ولما توفي والده أُدخل مع أخته “فوتين” إلى ميتم الراهبات اللعازاريات في طرابلس سنة 1877.
دخل جرجس الرهبانية مبتدئا في دير مار جرجس الناعمة سنة 1884. وأبرز نذوره الرهبانية على يد الأب بولس البكاسيني في 27 أيلول سنة 1886. وكان آنذاك بعمر الثامنة عشر ربيعا. بعد سيامته عُيّن في مدرسة بيروت ناظرا على تلامذة الرهبانية طيلة خمس سنوات. وعُيّن معلما للمبتدئين، سنة 1900، في دير كفيفان. وبعد مرور سنة عيّن رئيسا على الدير حتى سنة 1910.
انتُخب رئيسا عاما على الرهبانية في مجمع التأم في دير سيدة نسبيه ـ غوسطا بتاريخ 18/9/1913. وبقي يرأس الرهبانية حتى سنة 1929.
رهن أديار الرهبانية لإطعام الجياع:
سنة 1914 نشبت الحرب العالمية الأولى وقد طالت أربع سنوات حتى دبّت المجاعة باللبنانيين. فما كان من الأب العام اغناطيوس التنوري إلا أن أمر الرهبان بفتح أبواب الأديار ملاجئ للفقراء وتأمين الطعام والكسوة لأبناء الوطن المحاصرين من الجيش العثماني ومن الجراد والذين مات ثلثهم جوعا.
استدعى جمال باشا الأب العام بسبب تعاونه مع دولة فرنسا وحمايته في الأديار أبناء السعد وسواهم من المطلوبين من الدولة التركية. وقد خلـّصه الله من هذه المحنة.
وفي أيامه إبان الحرب العالمية الأولى رهنت الرهبانية جميع ممتلكاتها، بإستثناء الدير في بيروت، إلى الحكومة الفرنسية بواسطة حاكم جزيرة أرواد الجنرال “ألبير ترابو” بمليون فرنك ذهبا.
وهذا نص السند الذي وقعه الأباتي اغناطيوس التنوري، وقد دوّن على رخامة تعلو قبره في الدير:
“نحن الموقعين أدناه ألأب أغناطيوس التنوري رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية العام نسأل الحكومة الفرنسية قرضا بقيمة مليون فرنك ذهب لكي يوزع على الفقراء والمحتاجين ونقدّم ضمانة لهذا القرض أملاك الرهبانية، وبما أنه يتعذّر علينا المخابرة رأسا مع الحكومة الإفرنسية في الشروط اللازمة لهذا القرض نكلّف جناب المسيو ترابو حاكم جزيرة أرواد الذي لنا فيه ملء الثقة أن ينوب عنا في هذا الأمر والضمانة المشار اليها في السند تقع على القيمة التي تصل ونعطي علما بها.
استقال من الرئاسة العامة سنة 1929. وأمضى بضع سنين في دير المعونات ثم انتقل إلى دير مار يوسف جربتا حيث كتب مواعظه وقد طبعها له الأب ليباوس داغر وقد أسماها: “خزانة الواعظين والمتأملين” وكتيّبين لعبادة العذرا مريم.
توفاه الله برائحة القداسة، مساء يوم السبت الموافق 14 كانون الأول سنة 1957، في مأوى راهبات دير مار يوسف جربتا عن واحد وتسعين عاما. ودفن في دير سيدة المعونات ولا يزال قبره خلف الكنيسة للجهة الشرقية محجّة للمؤمنين.
حوّل دير ميفوق ودير مشموشة إلى مدارس عصرية سنة 1922، واشترى، مدرسة سيدة القلعة في عكار، من الأباء اليسوعيين، بـ 14 ألف قرش حجر، سنة 1925. وشيد معظم دير سيدة المعونات في جبيل وكنيسته وكنيسة دير مار أنطونيوس النبطيه سنة 1926. وجدد بناء دير قزحيا كما هو الآن سنة 1927. وتم توسيع وترميم أديار : مشموشة ومار موسى الحبشي وبيت شباب ومار روكس القليعات وعشاش وقرطبا .
وفي أيام رئاسته العامة رفع دعوى عبيد الله الحرديني وشربل ورفقا إلى الكرسي الرسولي سنة 1925 فبوشر الفحص بقداسة مار شربل والقديسة رفقا والقديس الحرديني في 28 كانون الثاني سنة 1926.
اغناطيوس التنوري والبابا بيوس الحادي عشر:
قابل الأب اغناطيوس داغر، عام 1927، قداسة البابا بيوس الحادي عشر. فقال له البابا: “قد قيل لي عن فضيلتك الشيء الكثير والآن حين وقع نظري عليك تحقّقت أن كل ما سمعته عنك لم يكن فيه شيء من المبالغة”.
توفي الأب اغناطيوس بتاريخ 14/12/1957 في دير مار يوسف جربتا ونقل جثمانه ليدفن في دير سيدة المعونات. حيث أصبح قبره محجّة للمؤمنين وإن ما يخبرعن عجائه في حياته وبعد موته يضيفه إلى قافلة قديسي الرهبانية.
راهب مشى في الهواء:
خلال وجوده في دير ما قبريانوس ويوستينا في كفيفان، وخلال صلاته الفردية، كان يخطفه الروح فتعلو رجلاه عن الأرض وكان يسير أمتاراً عديدة خارج شرفة الدير، فسمّي بالراهب الذي سار في الهواء. وتذكر راهبات دير مار يوسف جربتا كيف كنّ يشاهدن نوراً على شكل حمامة يعلو رأسه.
ها هي دعواه ترفع إلى الفاتيكان مع ستة رهبان آخرين.