شهد منزل يوسف بك كرم في زغرتا عبر التاريخ استضافة الأمراء وكبار الحكّام والمسؤولين من جميع الطوائف. وقد تحوّل عام ٢٠١٣ إلى متحف خاص ببطل تلك المرحلة من تاريخ لبنان، بفضل جهود أبناء المرحوم سعيد الطبيش.
يعود تاريخ تشييد البيت التراثي الذي وُلد فيه يوسف بك كرم في العام ١٨٢٣، إلى العام ١٧٧٧. إنتقلت ملكية المنزل إلى الورثة، وفي العام ٢٠١١ اشتراه آل الطبيش وعملوا على ترميمه بعدما تداعى قسم منه على مرّ الزمن. وقد أعاد مالكو المبنى الجديد وضع البلاطة التذكارية التي كانت تعلو مدخله، وقد نُقش عليها الآتي: "الشماس كرم اعتنى في التأسيس – له ولولده – طالب من الله الكرم". لاحقًا، أُدرِجَ المبنى في قائمة المعالم السياحية في لبنان، وتمّ تسجيله في لائحة الجرد العام للأبنية التراثية، وفي العام ٢٠١٣ افتُتح المتحف.
يتألف المتحف من ثلاث طبقات من العقد الحجري القديم. أما المقتنيات فقد جمعها السيد محسن الطبيش على مدى ٣٥ عامًا تقريبًا جال خلالها في المناطق اللبنانية (من زغرتا شمالاً إلى جزين جنوبًا مرورًا بجبل لبنان)، وكانت حصيلتها مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب والصور وعدد من البواريد والسيوف التي كانت ليوسف بك كرم ورجاله.
كان العسكر ينطلق في مهماته من الطابق الأرضي، وداخل هذا الطّابق أقبية لسكن الخدم وإصطبل الخيل وبيت المونة والمطبخ... وتعرض فيه حالياً الأواني التي كانت تُستعمل في تلك الفترة وفيه أيضًا أدوات تراثية...
الطابق الأول يتم الولوج إليه من درج خارجي، هو مؤلّف من دار وغرف للسكن وفيه مكتب يوسف بك كرم والعديد من مقتنياته.
أمّا الطّابق الأخير، فيتمّ الوصول إليه عبر درج داخلي في الطابق الأول. هناك توجد غرفة نوم يوسف بك كرم وسريره وخزانته وبعض من أغراضه الشخصية، ومنها يمكن الخروج إلى السطيحة المطلّة على كنيسة السّيّدة الأثريّة في زغرتا، حيث كان يستقبل ضيوفه من الأمراء والملوك.
ولد يوسف بك كرم في إهدن في الخامس عشر من مايو عام ١٨٢٣. والده هو الشيخ بطرس كرم، حاكم منطقة إهدن. أمه هي السيدة مريم، ابنة الشيخ أنطونيوس بو خطار من عينطورين
تعلم مبادئ العربية على يد الخوري إسطفان يزبك من أسلوت، والسريانية على يد الخوري موسى الدويهي الإهدني، بالإضافة إلى الإيطالية والفرنسية على يد الأب المرسل اللعازاري فرنسيس أمايا، إضافة الى تلقنه الصرف والنحو والتعاليم المسيحية. لم يكتف بما درسه، بل عمل على نفسه واكتسب معارف جديدة، حتى حصل على عمق فكري كبير في الديانات والأدب والعلوم والتاريخ. لا يمكن تجاهل أنه كان متدينًا جدًا ولا شيء يمنعه من أداء جميع الواجبات الدينية. كما علّمه الشيخ عماد الهاشم العاقوري ركوب الخيل وفن القتال...
في سنة ١٨٤٦ بعد وفاة والده تولّى إبنه الأصغر يوسف البالغ ٢٣ عامَا المشيخة ونصّبه الأمير حيدر اسماعيل حاكمًا عل "إقطاع" أبيه.
في عام ١٨٤٩، تم تعيينه كمسؤول في السجل المدني في منطقة الجبَة، وبينما كان حاكمًا لمنطقة إهدن، أراد المبشرون الإنكليز، الذين كانوا يقيمون في طرابلس، في صيف عام ١٨٤٩ تأسيس مركز بروتستانتي في إهدن. استأجروا منزلاً بحجة إنشاء مدرسة. أطلق كرم عليهم النار قائلاً إن إهدن هي معقل الإيمان المسيحي الصحيح ولا تحتاج إلى أحد ليهديها نحو سبيل المسيح.
في ١٤ مارس ١٨٥٧، اختاره أهالي إهدن وبعض سكان الجبّة ليصبح حاكمًا للمنطقة ويتمتع بالسلطات الإدارية والقضائية والعسكرية.
في عام ١٨٦٠، أقيل الأمير بشير أحمد من منصبه كقائمقام، وعُيّن كرم مكانه وكيلًا للمفتشية الدائرية للمسيحيين في جبل لبنان.
في عام ١٨٦١، رفض الأمير نظام المتصرفية الذي فرضته الدول الأوروبية والإمبراطورية العثمانية، والذي يقضي بأن تكون الحكومة بيد متصرف أجنبي، وإثر ذلك، تم نفيه للمرة الأولى. في العام ١٨٦٤ عاد من المنفى تحت شروط القنصل الفرنسي... ثمّ غادر مجددًا بعد ثلاث سنوات، كان قد شارك خلالها بالعديد من المعارك ضد جنود الدولة العثمانية وسجّل انتصارات عدّة.
تابع نضاله من منفاه الطويل منذ عام ١٨٦٧ وحتى مماته، فتنقّل بين عدّة بلدان ولم يتوقف عن بذل الجهود السياسية والدبلوماسية من أجل تغيير النظام الظالم الذي يحكم بلاده.
وكان قد أسس في روما عام ١٨٨٤ جمعية دينية تحت اسم القديس يوسف، مقرها في دير القديس يوسف، تهدف إلى نشر تعاليم الله والكنيسة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وتثقيف الشباب، ورعاية المرضى. وعاش مع أعضاء الجمعية حياةً ديرية حتى العام ١٨٨٨.
توفي في ريزينا بمقاطعة نابولي – إيطاليا، في ٧ أبريل ١٨٨٩ حيث دفن.
في ١٣ سبتمبر ١٨٨٩، وصل جثمانه إلى زغرتا، وفي اليوم التالي، تم نقله إلى كنيسة القديس جريس في إهدن، حيث بقيت جثته كما هي ولم تتغير حتى بعد مرور السنوات. مؤخراً خضع الجثمان لمعالجة علمية ستصونه نهائياً بعدما تبيّن ان ما تعرّض له هو نتيجة عوامل خارجية اذ لا وجود لجراثيم او بكتيريا داخله، ويتم حفظه الآن في تابوت محكم الإقفال يغمر الجثمان داخله غاز خاص يُجدَّد دورياً...
وكان في ١١ سبتمبر ١٩٣٢، قد أقيم له تمثال، من عمل النحّات اللبناني يوسف سعدالله الحويك، في باحة الكتلة في إهدن بالقرب من كنيسة مار جرجس، حيث جثمانه، وقد نحتت على قاعدته عبارته الشهيرة "فَلأُضَحَّ أنا، وليعِش لبنان". وفي العام ٢٠١٩ خضع التمثال لعملية ترميم في مُحترف آل بصبوص في رشانا، من قبل الفنّان نبيل بصبوص.