يقع حمّام النّوري في أوّل سوق الصّاغة في طرابلس، على مقربة من الجامع المنصوري الكبير. المنشأة لا تزال قائمة بكلّ عناصرها البنيانيّة، وتراكيبها الوظيفيّة، رغم ما أصابها من تآكل، ورغم الطّحالب والفطريّات الخضريّة الّتي نمت على جنباتها، وفي سقفها المتعدّد القبب المختلفة الأحجام.
بنى الحمّام الأمير سنجر بن عبد الله النّوري في بداية القرن الرّابع عشر، وتبلغ مساحته حوالي ٥٠٠ متر مربّع. باحة الحمّام تشير إلى عظمة الهندسة، ولا تزال المنشآت والتّجاويف، وبركة المياه الّتي تتوسّطه، والطّاقات في سقوف قاعاته، تتحدّى الزّمن مؤكّدة أهمّيّة المعلم، وقد وصف العالم والرّحّالة عمر النّابلسي قاعات الحمّام في رحلته بأنّها متّسعة مثمّنة من الرّخام الأبيض الصّافي، وذكر أنّه داخل الحمّام خلاوٍ كثيرة وأجران غزيرة، وفي وسطه صفّة مدوّرة من الحجر الرّخاميّ، وبلاطه كذلك من رخام. قاعات الحمّام مختلفة عن بعضها البعض من حيث الهندسة، وهي من دون نوافذ لخصوصيّة المكان، فتتمّ الإنارة عبر فتحات زجاجيّة دائريّة صغيرة بأعلى سقوف القاعات، وتختلف هندستها بألوانها وأشكالها وترتيبها وهذا النّسق الهندسيّ يتباين بين قاعة وأخرى ليضفي على المكان رونقاً فريداً.
حمّام النّوري هو واحد من أقدم الحمّامات وأكبرها في مدينة طرابلس لكنّه متروك. وقد توقّف العمل فيه في النّصف الثّاني من القرن الماضي خلال الحرب اللّبنانيّة وبات يحتاج إلى ترميم. الإهمال والتخريب أدّيا إلى فقدان العديد من القطعٍ الحجرية الهندسية ومن أقداح السّطح الّتي كانت تستخدم تاريخيًّا للإنارة، وفي داخله، ونظرًا لانعدام العناية، تراكمت على أرضيّته وفي جنباته، الأوساخ لمدّة طويلة، نجم عنها تخمّر، ومواد حمضيّة...
يذكر بأنَّ مدينة طرابلس كانت تضمّ عدّة حمّامات أثريّة لم يعد لمعظمها وجود غير أنّ ما تبقّى منها كفيل بإظهار جانب من تاريخ المدينة وتراثها العريق.
ويذكر المؤرّخ الطّرابلسي عمر تدمري (1940-) أنّه يحتمل ان يكون "نور الدّين" لقبًا لأحد أثرياء طرابلس من الأمراء، أو القضاة، ومن الواضح أنّه كان يقيم بالقرب من المدرسة، إذ لا تزال الدّور الملاصقة لها تحمل طابع البناء الّذي امتاز به المماليك، لذلك سمّيت المحلّة الّتي يقوم فيها الحمّام والمدرسة "سويقة النّوري". ويضيف تدمري أنّ "الوحيد من الأعلام الّذين لُقّبوا بـ "نور الدّين" في عصر المماليك بطرابلس ممّن وصلتنا أسماؤهم هو القاضي نور الدّين أحمد بن عبد الرّحمن بن رواحة الأنصاري الحمويّ الّذي كان رئيسا لكتاب الدّرج في طرابلس أيّام أسندمر، لكنّه عُزل في ما بعد وانتقل إلى حماه حيث توفّي. ولعلّه هو صاحب المدرسة والحمّام المعروفين باسمه".
يلاحظ أنّ كلمة "علي" مكتوبة بشكل دائريّ وبالخطّ الكوفيّ في عدّة أماكن تاريخيّة في طرابلس. إحدى تلك الكتابات تعلو قنطرة المدخل الدّاخليّ لحمّام النّوري، ويرجّح أن يعود تاريخ هذه الكتابات إلى العصر الفاطميّ وقد أعيد استخدامها...
ملكيّة هذا الحمّام تعود الى الأمير "محمّد بك السّنجق" فوقّفه للجامع. وفي الوقفيّة المؤرّخة سنة ١٠٢٩ه، فيها وصف للحمّام وتفصيلاته.
الجدير بالذّكر أيضًا أنّه توجد قصيدة بعنوان "حمّام النّوري"، تروي أبياتها قصّة مكان كان يعجّ بالحكايات على مدى ثمانية قرون. ويذكر وجود حمّامين مشهورين في دمشق القديمة وحلب، كانا يحملان أيضاً اسم حمّام النّوري.