لطالما راود الأب يعقوب حدّاد الكبّوشيّ حلم بأن يتمّ رفع تمثال ملك الملوك على تلّة فوق وادي نهر الكلب الأثريّ، وكان كلّما عبر نفق نهر الكلب، يتوقّف ليتأمّل النقوش والكتابات الّتي تركها الفاتحون ويردّد: "أعطني يا ربّ أن أبني لابنك ديرًا...وأضع له قبّة عالية، وأرفع فوقها تمثالًا عظيمًا لقلب يسوع".
ومرّت السّنون واستجاب اللّه دعاء أبونا يعقوب، فحقّق حلمه ورفع بناءً على تلّة في بلدة ذوق مصبح تشرف على البحر، تُدعى "خرائب الملوك"، وخلفها مباشرةً دير اللّويزة حيث عُقد المجمع اللّبناني عام ١٧٣٦، وجعل منه مسكنًا لائقًا بالمسنّين لاسيّما الكهنة. إلى شمال التّلّة يظهر تمثال سيّدة لبنان، أمّا لجهة الجنوب، على التّلّة المقابلة، فيقع دير مار يوسف، في نطاق بلدة ذوق الخراب. ويفصل بين هذا الأخير وتمثال يسوع الملك وادي نهر الكلب الأثريّ الّذي يضمّ لوحات ونقوشات يعود تاريخها إلى أكثر من ألف سنة ق.م.، لملوك بابل وفراعنة مصر وقياصرة روما وقادة عسكريّين مستعمرين، جميعهم خلّدوا أسماءهم على الصّخور...رحل كلّ هؤلاء...وبقي لبنان. من هنا كانت فكرة الأب بإقامة تمثال للسّيّد المسيح في المحلّة، لما له من دلالات.
والجدير بالذّكر أنّ كنيسة الدّير تضمّ رسومًا فسيفسائيّة فريدة تغطّي جدرانها، من تنفيذ الأب اليسوعيّ السّلوفانيّ ماركو إيفان روبنيك Marko Ivan Rupnik. وقد ترك هذا الأخير خلال إقامته في لبنان، بصمة فنّيّة مماثلة في كنيسة دير سيّدة البير في بقنّايا التّابعة أيضًا لجمعيّة راهبات الصّليب. وللأب الفنّان أعمال عدّة في بلدان مختلفة منها الفاتيكان، فرنسا، إسبانيا وسواها...
إشترى أبونا يعقوب التلّة في العام ١٩٥٠ وبدأ بناء الدّير. وفي عيد يسوع الملك في ٢٨ تشرين الأوّل عام ١٩٥١، تمّ تدشين المكان. وفي الأوّل من كانون الأوّل عام ١٩٥٢، تمّ تثبيت تمثال المسيح الملك على قاعدة ترتفع ٥٧ مترًا عن الأرض، وتلّة تعلو ٧٥ مترًا عن سطح البحر. يذكر بأنّ التّمثال هو من تنفيذ الفنان الإيطاليّ المهندس إرنستو باليني، Ernesto Pallini الّذي نقله من إيطاليا إلى لبنان في عشرة صناديق. الوزن الإجماليّ للتّمثال هو ٧٥ طنًّا، ويبلغ ارتفاعه ١٢ مترًا، وعرض يديه المفتوحتين ١٠ أمتار، ووزن كلّ يد ٥ أطنان.
ويُروى أنّه أثناء أعمال البناء، اكتشف العمّال مغارة طبيعيّة تحت الدّير، وبعد إبلاغ أبونا يعقوب الكبّوشيّ، هتف الأخير بفرح قائلًا: "هذه ستكون للملكة، فالملك لا يكون ملكًا من دون ملكة". تحوّلت المغارة إلى مزار لتكريم العذراء ملكة الكون، وأطلق عليها اسم مغارة العذراء الملكة.
وكان أبونا يعقوب قد أسّس جمعيّة راهبات الصّليب سنة 1930 لاحتضان الأيتام والمرضى والعجزة وسواهم من المتألّمين والمحتاجين...فسارت الجمعيّة على خطى مؤسّسها، وأصبحت من أهمّ الجمعيّات، وأسّست بدورها في رحاب يسوع الملك واحة للرّاحة "دلمانوثا" تيمّنًا بناحية قصدها السّيّد المسيح وتلامذته للرّاحة، تتّسع لمئة وسبعين سريرًا لكبار في السّنّ، وتسعى الجمعيّة أن تكون "دلمانوثا" حلقة إنسانيّة من أحدث المراكز تضيفها إلى سائر مؤسّساتها الاستشفائيّة.
Location https://maps.app.goo.gl/tWWLBKunWoeYEdNc8
Video https://youtu.be/lAt5Lk2qv2A?si=vD4oV66bh_w-BTah