ممّا جاء في سيرة هذه الكنيسة، التي أُطلق عليها اسم "سيّدة الأبراج"، وبحسب ما كتب الأب لويس شيخو في مجلة "المشرق"، العدد الاول، السنة الثالثة (1900) – ص 214، تحت عنوان "ملحق": "زاد نفوذ الشيوخ من بني حبيش، وأنزلهم الامير منصور البرج الذي ابتناه الأمير عسّاف، وكان هو كبَّره وزيَّنه فجعله كقصرٍ له، ثم قدَّم بني حبيش واستعملهم في مهمّاته واتخذ منهم يوسف وسليمان لتدبير اموره فخوَّلهما رتبة كاخية".
ويتابع الأب شيخو قائلاً: "وكان لآل حبيش التقدم على نصارى البلدة، ويسكنون البرج السابق ذكره. وفي وسط هذا البرج أقام آل حبيش معبداً صغيراً جعلوا فيه صورة العذراء مريم، ويزعم أهل غزير ان الأمر أوحي اليهم بمعجزة ٍ خاصة إذ ظهرت أنوار عجيبة فوق البرج منذ ليالٍ عديدة، فأخذ نصارى البلدة يجتمعون في هذا المقام للصلاة، ويكرّمون الصورة إكراماً خصوصياً، ومذ ذاك اشتهرت في لبنان العبادة لسيّدة الأبراج، ولا خلاف على ان هذا المعبد هو من ابتناء آل حبيش".
وخلف العسافيين في ولاية كسروان الأمراء الشهابيون، وفي أيامهم تكاثر عدد النصارى في غزير وسكنها بعض شيوخ آل خازن، وابتنى لهم الامراء الشهابيون فيها دُوراً رحبة.
وفي غزير وُلد الامير بشير بن قاسم الشهابي المعروف بالكبير، وقدْ عُمِّد الأمير بشير في كنيسة سيّدة الأبراج كأخيه حسن، وحافظ كلاهما على ذكر هذه الكنيسة الى وفاتهما. وفي وصية الأمير بشير الأخيرة التي كتبها في الأستانة قبل وفاته سنة 1852، هبة لسيّدة الأبراج تبلغ ثلاثين ألف قرش.
والحق يقال إنّ سيّدة الأبراج أولت الامراء الشهابيين نِعَماً جزيلة من جملتها نجاة الأمير حسن عمر الشهابي والي جبيل. فإنه لمّا اعتقله الجزّار في عكا وكان يريد قتله التجأ الى حماية سيّدة غزير، ووعد بأن يرمّم معبدها ويزيّنه إذا نجَّته من هذا البلاء. ففي الليلة نفسها ظهرت له البتول في حبسه وبشَّرته بالخلاص، وفي صباح ذلك اليوم غيَّر الجزّار افكاره وأطلق سبيل الأمير، فلما عاد الى غزير وفيها كانت سكناه، أسرع الى الإيفاء بوعده.
إضافةً الى ما ورد آنفًا، نذكر أنّه جاء في كتاب "السيّدة العذراء في لبنان" للأب الفرنسيّ غودار أنّ الأمراء العسّافيين كانوا متسامحين دينياً، لذلك توافدت الى الناحية الواقعة تحت حكمهم جماعات من كل الطوائف: من أهل السّنّة، ومن الشّيعة ، وأيضًا من المسيحيّين ونذكر من بين هؤلاء الشيخ حبيش، آتيًا من أعلى وادي نهر ابراهيم، جاء من يانوح ليستقرّ في غزير مع عائلته الكبيرة العدد. وكان أفراد هذه العائلة جبليين أشدّاء، "قبضايات" طبعتهم الخشونة، يتباهون بأنهم عملوا مرشدين للصليبيين، وبفضل بسالتهم تلقّوا الإنعامات من الأمير منصور عسّاف. وكان وزير هذا الأمير، المدعو عبد المنّان، قد حَبَكَ مؤامرة ضدّ سيّده، فعرف الحبيشيون بذلك وتلقّوا الأمر بمعاقبته. فكان العقاب سريعاً وقاطعاً: كان عبد المنّان يقطن في القسم من السراي الذي يُسمّى "الأبراج"، ففي إحدى الليالي هاجم الحبيشيون البرج، وخلعوا أبوابه وقبضوا على الخائن وعلى أعضاء عائلته الأحد عشر وذبحوهم ورموا بجثثهم في الهوَّة التي تنفتح نحو الشرق على أقدام السور.. والتي تُسمّى الخوانيق.
ومكافأةً للحبيشيين على صنيعهم أحلَّهم الأمير محلّ عبد المنّان فجاؤوا يسكنون البرج، وكان ذلك سنة 1534. والجالية المارونية في غزير لم يكن لها بعد كنيسة، فالحبيشيون ومشايخهم حوَّلوا الى مكان عبادة قاعةً سفلى من برجهم كانت لا تزال ملوَّثة بالدم، والمسيحيون المساكين جعلوها على اسم تلك التي كانوا يحبّونها أكثر ما يكون فدعوها "سيّدة الأبراج"، اذ كانوا بحاجةٍ ماسّة الى حماية مريم لهم لأن الأحوال كانت مضطربة.
وفي العام 1541 حصلت مذابح جديدة؛ فمشايخ فتقا، تآمروا بدورهم مع شيخ زوق مكايل ضد الأمير منصور عسّاف، فأمر بذبحهم في اثناء مأدبة في غزير...على أيدي يوسف وسليمان حبيش اللذَين أُعطيا مقابل ذلك مشيخة فتقا والكفور.
ولكن في العام 1593 نُصب كمين ما بين البترون ومضيق المسيلحة، قتل فيه آل سيفا الذين في طرابلس، الأمير محمّد وهو آخر أمير عسّافيّ. وكان التركمان قد منحوا كسروان عشرات السنين من السلام النسبيّ، فإذ غابوا تجدَّد الجور والطغيان على المسيحيين. فخلال مدةٍ طويلة لم يكن بإمكان سيّدة الأبراج ان تحصل لا على جرس ولا على قدّاسات نوعاً ما احتفالية، ولم يكن دائماً بدون خطورة أن ينسلّ المارونيّ الى الكنيسة التي كانت عبارةً عن كابيلّا.
إلاّ ان النفوذ المتصاعد للحبيشيين أدّى، في العام 1640، الى حصول حبيشية غزير على فرمان لترميم سيّدة الأبراج.
وبعد خمس سنوات، اي في سنة 1645، يوم الأحد تحديدًا، عندما كان الشمّاس يقرع الناقوس داعياً الى القدّاس، علا صوت مؤذِّنٍ من أعلى مِئْذَنَتِهِ، التي كانت قريبة، يدعو بدوره الى الصلاة. وإذ انزعج من ضجيج الطنين والرنين أرسل مَن يُسكت قرع الناقوس، إلاّ ان قارعه زاد من قوة قرع ناقوسه بدلاً من إسكاته، فاغتاظ المؤذّن من ذلك، وما كان منه إلّا أن نزل من مئذنته واقتلع الناقوس من مكانه ثمّ عاد أدراجَه، ممّا أنذر بتصادُم عامّ بين الموارنة والمسلمين، فهرول شخص يُنبئ الشيخ طربيه حبيش بالأمر. فحمل الأخير بندقيته وانطلق الى أمام الكنيسة وصوَّب نحو المؤذّن مطلقاً عليه النار فأرداه قتيلاً في مئذنته.
كما أنّ هناك مَن يعتبر أنّ هذه الحادثة حصلت في العام 1680، أيّ سنة منح الأمير أحمد معن الحبيشيين مشيخة غزير. ومهما يكن من أمر فان أعجوبةً خارقة للعناية الإلهية حمت المسيحيين من تداعيات هذه المسألة. فهذه الطلقة النارية، التي كان من شأنها ان تثير مذبحةً، كانت، على العكس، فاتحة عهدٍ جديد في البلدة وفي قضاء كسروان بأجمعه. وما هي إلّا فترة وجيزة، حتّى ازداد تعداد الموارنة في البلدة والقضاء فبلغ عددهم الثّلاثين ألفاً. أمّا المئذنة فهُدمت، والجامع تحوّل كنيسة، وهو اليوم في عهدة راهبات الصليب بعد ان كان بإدارة الراهبات الفرنسيسكانيات اللواتي حللنَ منذ العام 1920 في الدير الذي كان قديماً للآباء الكبّوشيين، أمّا الشّيعة فقد انسحبوا شيئاً فشيئاً، وبحلول العام 1800 لم تبقَ في غزير إلّا عائلتين فقط من الطّائفة الشّيعيّة.
وطلقة البندقية هذه، الّتي أُطلقت من مقرّ سيّدة الأبراج، نُسبت بطبيعية الحال إلى ربَّة الكنيسة. والمعجزات والشفاءات التي تحققت على يدها أوصلت صيتها الى البعيد. ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر كان ديرها هذا، مع كنيسة سيّدة التلة في دير القمر وسيّدة قنّوبين، المزارات الأشهر في لبنان. فكل الجوار الذي يحيط بسيّدة الأبراج كان يردّد العبارة المباركة المصوغة في مخطوطةٍ قديمة في غزير: "على سيّدتنا سيّدة الأبراج أشرف السلام".
وكانت لعائلتيّ آل حبيش وآل شهاب، مع غيرهما من العائلات، حسنات تجاه هذه السيّدة. فالأمراء الشهابيون، لمّا كانوا لا يزالون مسلمين، تعاملوا بإيجابيّة مع المسيحيين. والأمير حيدر، في العام 1712، وبواسطة الحبيشيين، أحلَّ بمحاذاة سيّدة الأبراج تقريباً، الآباء الكبّوشيين النازلين منذ العام 1686 في دير مار الياس القائم في أسفل القرية. وفي العام 1714 جرى تكريس كنيستهم على يد البطريرك يعقوب عواد، وذلك بمناسبة الأعياد التي دامت ثمانية أيام، والتي ترك لنا سيرتها المسفار بول لوكاس لدى مروره في غزير.
وحوالي سنة 1755 في دير القمر، عمّد كاهنٌ مارونيٌّ، (لاحقاً البطريرك ميخائيل فاضل)، أولاد الأمير الكبير ملحم، على المذهب الكاثوليكي. وما لبث أن مرض الأمير، فاضطرَّ الى التخلّي عن الحكم قبل بلوغ نجله سنَّ الرشد. لذلك أراد أن يعهد بالوصاية عليه لابن أخيه قاسم بن عمر، ولكنَّ عداء أشقّاء ملحم للأمير أجبر قاسم على الإكتفاء بإقطاعة في كسروان. وهو كان مقيماً في غزير، فتحوَّل بدوره الى المسيحية على يد البطريرك فاضل، وتعلَّق بدير سيّدة الأبراج وعمَّد ولدَيه فيه: حسن، وذاك الذي أصبح في ما بعد بشير الثاني الكبير، وهما، رغم ما بدر منهما على الصعيد الخُلُقيّ من حيادٍ عن الإستقامة ومن قسوةٍ وبطش، إحتفظا بعاطفةٍ كبيرة تجاه الكنيسة التي تعمَّدا فيها، وكلاهما صنعا لها معروفاً ذات قيمة.
فالبكر منهما، حسن، الذي استُدعي بخدعةٍ الى أحمد باشا الجزّار، رُمي في زنزانةٍ نادراً ما يخرج منها الانسان حيّاً. وكان قد مرَّ عليه فيها عدَّة ايام عندما رُبطت حول عنقه سلسلة حديدية. فإذ كان ينتظر تعذيبه بواسطتها ضَرَعَ الى سيّدة الأبراج ونذر لها ان يعمل على توسيع ديرها اذا أنقذته مما ينتظره.
وفي الليلة التالية شُبِّه له أنه يرى في المنام السيّدة العذراء تقول له:"غداً، يا بُنَي، سوف تُنقَذ وتَسلم". وفعلاً، في الغد، أُطلق سراحه، فاستُقبل في غزير استقبال الظافرين، فأذاع على الناس النعمة التي حصل عليها وأنجز وعده للسيّدة العذراء.
أمّا بشير، من جهته، فقد غادر القرية وهو ابن اثنتَي عشرة سنة، يتيماً، يدفع أمامه الجمل الذي يحمل كل ما له من ميراث. وبعد بضع سنوات، تولّى بشير الحكم الذي كان يومذاك تولّي مقاليده معلَّقاً بانتظار الحاكم المناسب. وطيلة فترة حكمه، ظلّ بشير الكبير مضطربًا يتذكّر الدير الذي عرفه في طفولته، وكان يصلّي له ويبعث له بالعطايا.
وعندما نُفي الى الأستانة كان غالباً ما يتحدث عن سيّدة الأبراج مع مرافقه ومرشده الروحيّ الأب اسطفان حبيش.. الذي خدم هذه الكنيسة. وعندما شعر الأمير العجوز بدنّو أجَله، وبأنه سيموت فقيراً ومنسيّاً، كان له لفتة أخيرة الى عذرائه، فأوصى لها بثلاثين ألف قرش.
وعندما عاد الأب اسطفان من الأستانة وجد بناء الدير قد عصفت به عاصفة هوجاء. وقبل ذلك بعدَّة سنوات كان حُبَيشيّ آخر عائد من اوروبا، وهو الشيخ ضاهر، قد نجا من الغرق إذ وعد سيّدة الأبراج بجرس يعلّقه بحطام ٍ موجود ٍبقربها، فالتقطته سفينة مرَّت بقربه في حين هلك العدد الأكبر من رفاقه. والكاهن الأب اسطفان حبيش، على مثاله، نذر نذراً للسيّدة بأن يرمم ديرها إذا تكرَّمت بوقايته من الخطر، وإذ عاد الى غزير انصرف الى البِرّ بوعده. ولكنَّ ثورة الفلاّحين أعاقت لزمن ٍ طويل إكمال البناء، اذ لم يستطع الاب اسطفان ان يحقق سوى الجزء الجسيم من المشروع. واليوم، مكان البرج القديم، قرب دير الراهبات الفرنسيسكانيات، تقوم كنيسة صغيرة متينة البناء، دُفن فيها العديد من الحبيشيين.
تبقى معجزتان هما الأمجد بين كل ما عداهما، فعندما افتُتحت الكابيلّا المرمَّمة كان يعيش على بُعد 500 متر منها، في السراي الشهابية القديمة التي غدت بعدها ديراً ومدرسة لليسوعيين، بوّاب هو مثال الطاعة والتواضع. فلا أحد في القرية يجهل أن القديس الأخ ألفونس كان في شبابه الإنسان المندفع تجاه الشيخ حيدر حبيش. لقد وُلد عند أقدام سيّدة الأبراج، وسقط شهيداُ في 21 حزيران 1860 قريباً جداً من مذبح ٍ آخر لمريم في دير القمر. فقد دُعي الى الاختباء في بداية المذبحة، فأجاب: "اتركوني، فإني أريد ان أذهب لأموت على أقدام المادون". قال هذا ونزل نحو سيّدة التلة، فأُوقِفَ عند بابها من قِبَل العسكر التركي وأجبروه على ان يكشف لهم عن مكان تواجد كنوز الكنيسة. فقال لهم: "إني أجهل موضعها، وحتى لو كنت أعرف ما كنت أخبرتكم به". فراحوا عندئذٍ يكيلون له الضربات، ويشتمونه، ثم جرّوه الى السراي حيث ذُبح مع الجمع الذي كان فيها.
وقبل ذلك بثلاثة ايام، أي في الثامن عشر من حزيران، كان هناك حبيشيٌّ آخر يدعى شرفان، وهو ولدٌ ابن أربعة عشر عاماً كان معدّاً ليصبح كاهناً، أظهر نفس البطولة التي بدرت من ذاك. فقد قُتل في زحلة بالقرب من الأب إدوار بيللوتيه اليسوعي.. والاخوة فردينان بوناكشين والياس مقصود وحبيب يونس الذين رفض أن ينفصل عنهم. وقد ألحَّ عليه الأب بيللوتيه بأن يهرب عندما اشتعلت الاضطرابات، فأجابه: "لن أدع فرصة الاستشهاد تضيع مني"، فقُتل الى جانب الأب المذكور.
وحين كان شرفان والأخ ألفونس يورّثان عائلتيهما أسمى الفخر والمجد، أي منذ ثلاث سنوات، حصلت ثورة طانيوس شاهين والفلاّحين فأفقدت النبالة المارونية قدراً كبيراً من سلطتها. والكنيسة التي كان الشعب يدعوها سيّدة المشايخ ارتدَّت الصدمة عليها. فتألُّق نجم سيّدة الأبراج وسطع باهراً في القرن الثامن عشر، ثمّ راح يتراجع. فالكابيلّا اليوم، التي حفظ لها استمرار العناية بها رونق مظهرها، وظلَّت تُضاء أنوارها في الأعياد، فقدت مع ذلك شهرتها. فهناك كنائس اخرى في القرية، ومغاور على شكل مغارة لورد. وغزير، بعد زمن ٍمن النموّ، ومن البحبوحة الكبيرة في مطلع القرن، فرغت من قسم ٍكبير ٍمن سكانها ولم يستفد الدير أية استفادة من هذه الهجرة. بلى، لقد جاءها من أميركا بعض النذور.
ما إن تدخل الكابيلّا، حتّى ترى لوحةً كبيرة مرسومة بريشة ٍساذجة: ملاكان يلوّحان بمسبحة وكتفية، ويتوّجان عذراء تحمل الطفل. وسمات مريم ويسوع تبدو نضرة تفيض بالصحة، والمذبح الرئيسيّ تعلوه لوحة جيّدة مجلوبة من اوروبا. وفي احدى الواجهات ينتصب تمثال مزدان بأهلَّةٍ وبأيدٍ فضية، وأساور، وعقود ٍوسلاسل. حيثُ تقرأ في أسفلها الأبيات التالية:
الأب أنطون الحبيش جددا تصوير هذه الصورة المرضيّة
تمثال ذات الطهر مريم إذ لها أنشا الحبيشيون أحسن بيعة
فإليهم هذه الكنيسة تعتزي ولهم يحق ولاؤها عن محبة
فجزتهم الأم البتول بفضلها وغدت لهم تبني الديار بجنة
وعندما رأى الأب غودار ذلك قال: " لقد استعدت في ذهني النص القائل:" كانت هنا الملكة منتصبة، ترتدي ثوباً ذهبياً، ومحاطة بالزِّيَن الاكثر تنوُّعاً".كما يُوجَد لوحة زيتية أُخرى للقدّيسة حنّة والدة السيّدة العذراء بريشة الرسّام اللبناني حبيب سرور.
والعديد من هذه التقديمات وُهبت لها بمناسبة ولادات ظلّوا يتمنّونها مدةً طويلة، وحصلت أخيراً بشفاعة السيّدة.
ففي العام 1880 استُدعي رسّام من رسّامين الـ "Fresques" على جدران الأبنية، وكان يونانياً (مما يعني انه أرثوذكسيّ)، ويُدعى أبو حلقة. لم يكن له أولاد، وقد يئس من أن يُرزَق بهم.
"أنذر نذراً للسيّدة"، قال له الشيخ علوان حبيش.
"لسيّدتكم؟ إنها لن تستجيب لطلبي، فأنا لست كاثوليكياً".
"أنذر هذا النذر.. سترى".
"حسناً، واذا أعطتني ولداً فسأرسم كنيستها مجانا".
فرُزق الرسّام ولداً، وكان الدوق سرجيوس – Le Grand Duc Serge، الذي قُتل في ما بعد بقذيفة أُطلقت عليه في موسكو يوم 17 شباط 1903، مارّاً في بيروت، فأراد ان يكون عرّاب المولود، الذي أُطلق عليه اسم سرجيوس تيمّنًا به. وبعد وقت ٍ قصير صعد والد الطفل وأمُّه ومعهما وليدهما الى سيّدة الأبراج لشكرها على إنعامها عليهما به. والأب غودار، الذي روى له وكيل الدير هذه الواقعة، توجّه الى الساحة التي كانت قديماً باحة سراي الامراء العسّافيين ليصغي، في هدوء المغيب، الى رنين أجراس الكنيسة العجائبية.
ومن جميع الجهات علت أصوات عددٍ لا يُحصى من الأجراس، وضجَّت الأنغام في جميع أنحاء الجبل تدقّ دقَّة التبشير، وكان تنافسٌ جميل بين كثير ٍمن الأصوات، والفوز لمن يُنشد بأقوى صوت ولأطول مدة. ويجب أن نرى بأيّ اندفاع، عندما حانت الساعة، علَّقت شلَّة من الشبّان الأصلاب الحبل حول أعناق افرادها وتأرجحت في الهواء لتودعه أرواحهم.
وهذا قارع جرس سيّدة الأبراج يهتاج في قرعه إياه. فهو يقفز في الهواء وينزل والحبل في يده يهزّ به الجرس الثقيل الذي يصعب تحريكه.. ويرتجف جسده كأنه في سكرة أعصاب. وفي داخل الكنيسة، وسط عبق البخور، والشمع العسليّ، ودويّ اصوات النواقيس والصنوج كان جمع كبير من المصلّين يُنشد الصلوات والتضرّعات المرفوعة الى السيّدة العذراء.
هذه الألحان، واسم سيّدة الأبراج بحدّ ذاته، ذكَّرتني ببضعة أشعار ٍجميلة من نظم المطران جرمانوس فرحات:
"يا برج داود إجعل الحمائم الساجعة تحيط عند انبثاق الفجر بمن سوف تظهر عليه.
هل أستدعي لك الشمس؟ ولكنَّ الشمس تغيب بينما لمعانك يزداد دون انقطاع.
هل أستدعي لك كوكباً؟ ولكنَّ جميع الكواكب تنحني باحترامٍ أمامك.
حبّاً قلبياً به نصبت مريم لله سريراً مذهَّباً ومدَّت عليه فُرشاً،
فإن عاطفتها الرقيقة نحوه جعلت من حشاها مهداً ليرقد عليه".
دُفن في المقبرة العائلية العائدة لتلك الكنيسة العديد من الحبيشيين من بينهم الشيخ شديد بك حبيش (1845-1920) الذي كان قنصلاً للدولة العثمانية في عدة عواصم اوروبية.
قد أعيد تجديد هذه الكنيسة في العام 1855 كما تدل على ذلك كتابة محفورة على عتبة مدخلها حيث نقرأ :
"قد تمَّ تجديد هذه الكنيسة باهتمام الخوري اسطفان والخوري انطون حبيش سنة 1855".
كما جرت لها مؤخراً أعادة ترميم ٍوتجديد، فأضيف اليها بهوٌ خارجيّ وأنارة حديثة.
وفي العام 2010 أقيم فيها تمثالٌ للبطريرك يوسف حبيش (1823-1845) من عمل الفنان رودي رحمة.
يُذكَر أن جرس قبَّة الكنيسة من عمل أنطون منعم وأولاده من مزرعة يشوع – المتن عام 1954 حلَّ بديلاً لِيحّلَ عن الجرس الأساسي.
يحتفل أهالي البلدة بعيد سيّدة الأبراج، في الثامن من أيلول.
أُدرِجَت على خارطة السياحة الدينية في العام 2024
Location: https://goo.gl/maps/2sWUk1j3NA1tKpUP6
الكتابات:
https://youtu.be/ot_7WeD7nc4?list=PLtuhNwQjShozxsGzj9H0loYEAKyz7BR_J&t=170