بيت مري بلدة متنيّة، تطلّ على العاصمة ونهر بيروت. تقع على علو750 مترًا وتبعد 17 كلم عن العاصمة. موقع دير القلعة الجغرافي جعلـه مقراً لكثير من الحضارات من الإغريقيّة إلى الفينيقيّة ثمّ الرومانيّة والصليبيّة حتى العثمانيّة، التي لا تزال آثارها قائمة في ذلك الموقع، وأهمّها المعبد الروماني، الذي كان قد شُيّد على أنقاض معبدٍ فينيقيّ، كما شيّدت بجواره معابد ومذابح صغيرة، بالإضافة الى مجمّع سكنيّ وحمّامات فريدة ما زالت آثارها واضحة. وما يُميّز الموقع، بقايا كنيسة بيزنطيّة من القرن السادس، تضمّ فسيفساء نادرة.. ومنذ القرن الثامن عشر، شُيّد دير مار يوحنّا القلعة في الموقع نفسه فوق المعبد الكبير، وقد شكّلت بقايا المعبد الرّومانيّ قاعدة قام على أساسها مبنى الدّير، الذي تعود ملكيته للرهبانيّة الأنطونية منذ سنة 1748.
.تم اكتشاف الموقع في العام 1767 من قبل الإيطالي جيوفاني مارِتي. وقد أُجريَت دراسات عن النقوش والكتابات فيه خلال القرن التاسع عشر
.في عام 1902، قام علماء الآثار الألمان من بعثة بعلبك برسم مخطط المعبد
وفي الفترة ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين، قام هاروتيون كالايان بدراسة الموقع وترميمه، كما درس ليفون نورديغيان المعبد والمنطقة السكنية المحيطة به
.ضمّ الموقع ما يناهز 130 نقشًا باللغتين اليونانية واللاتينية
.شغلت القوات السورية الموقع الأثري من العام 1990 وحتى العام 2005، وتم ترميم الموقع بعد ذلك
المعبد الكبير هو معبد ذو (prostyle)طراز بروستيل، وهو مصطلح معماري يُطلق على المعابد خصوصًا اليونانية والرومانية التي تحتوي على صف واحد فقط من الأعمدة في الواجهة الأمامية. يُنسب المعبد إلى الإله جوبيتر الهليوبوليتي (بعل مرقود Baal Marcod) وكان للمعبد أربع أعمدة في واجهته الامامية، يبلغ قطر كل عمود منها 1.55 متر، وارتفاعه 25 مترًا، لكنّ بعضها تهدّم أو خسر من ارتفاعه... أمّا المعبد الصغير، فينسب إلى Junon زوجة جوبيتر Jupiterوحامية النساء، وفيه باب ما زال قائمًا حتى اليوم، مع عتبته، وعليه كتابة باللاتينية.
أما الكنيسة، فتقع خارج حرم الدير، إلى الجهة اليسرى من مدخله، وتتألف من سوق مركزي ينتهي بحنيّة، لا تزال بعض حجارتها في مكانها، وبالقرب منها حجر ضخم منحوت عليه صليب بالإضافة إلى سوقين جانبيين مرصوفين بالفسيفساء، وعند مدخل الكنيسة، يظهر مستطيلان: يقع الأول على الجانب الأيسر ويحمل رمز الناسك على شكل سهم، في حين يحمل الثاني، الواقع على الجانب الأيمن، نقشًا يقول: "من أجل خلاص أسيانوس وأولاده".
"Pour le salut d'Acianus et de ses enfants".
يُغطّى المحراب (الخَورَس) بزخارف هندسية وأواني مزيّنة بالفواكه والزهور والبطّ. أما السوق الجانبي الشمالي، فمزيّن بزخارف هندسية، وتفصل بين عمودين، سلة فواكه مُفرَّغة، ويحيط بها وزّتان
.
.واستنادًا إلى زخارفها الفسيفسائية، تُعدّ الكنيسة بيزنطية، وتعود إلى القرن السادس الميلادي
وفي جوار الكنيسة، وتحديدًا إلى شمالها، توجد حمّامات رومانية تتميّز بهندستها وتقسيماتها الفريدة، حيث تتألف من غرفة لخلع الملابس، وأخرى باردة، ثم الغرفة الساخنة... بالإضافة إلى القساطل الفخارية التي كانت تُستخدم لجرّ المياه الساخنة، وأقنية لتصريف المياه.
وإلى الجنوب الشرقي من الكنيسة، تقع آثار قرية قديمة، ومعصرة زيتون، ونافورة مياه... فضلًا عن مدافن محفورة في الصخر عند أسفل السفح.
استطرادًا، يقول الأباتي عمّانوئيل بعبداتي (1842-1932) في كتابه "تاريخ الرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة" من منشورات اليوبيل المئوي الثالث للرهبنة الأنطونية المارونية، أنّ مكان دير القلعة كان يسمّى قديمًا بيروت، وتاريخ بناء القلعة يحتمل أنّه يعود إلى الجيل الثامن عشر قبل المسيح، وقد مرّت عليها حضارات عدّة منها الفينيقيّة واليونانيّة والرومانيّة إذ لا نزال نرى حتّى اليوم بعض الكتابات باللّغة اليونانية والرومانية على حجارتها...
وفي سنة 1878 وجد الرهبان الأنطونيون تمثالًا من حجر مقطوع الرأس ما زال موجودًا حتى اليوم في حائط الدّير، كذلك الحجارة والأعمدة الضّخمة... وسنة 1876 أخذ الآباء اليسوعيّون بعض حجارة القلعة، أمّا أهالي قرية بيت مري فأخذوا قسمًا من حجارة المدينة المذكورة...وقد حضر يومًا رجل من صيدا وطلب من رئيس الدّير بأن يرخّص له ليحفر في الأرض، فوجد قبوًا منخفضًا، فيه أعمدة مستديرة مركّبة، وبلاطتين من رخام مكتوب عليهما باليونانية وجرن صغير من الرخام الأبيض منقوش عليه صورة عصافير وأغصان كرمة...أمّا موقع الدير فهو شرقي بيروت الحالية، ويقال انّه يوجد سرداب يمتدّ تحت القلعة إلى نبع الديشونية، كان يسلكه القوم أيام الحصار لإحضار الماء.
وكان القسّ سمعان عريض في العام 1748 قد اشترى الأرض مكان الدّير وما يليه من الأراضي، حينئذٍ باشر الآباء بالبناء، فأقاموا القبو أوّلًا وأقاموا فوقه الغرف والممشى إلى الدّرج الذي ينحدر منه إلى المائدة والمطبخ...وذلك تحت إشراف القس سمعان والقس ابراهيم عون من قرية رومية...وقد عمّر القس نقولا البسكنتاوي أقبية الكلار والمائدة والفرن وأقام فوقها غرفًا مسقوفة بالأخشاب، أمّا الممشى فواصل بناءه قبوًا نظير القبو الأوّل. وقبل بناء الكنيسة كان الآباء يقدّسون في القبو المعروف بقبو مار أنطونيوس ولا تزال آثار المذبح موجودة فيه.
وفي العام 1891 غيّر المدبّر طوبيا ومعاونه القس سمعان البعبداتي سقف الغرف فرفعا كلّ منها وبنيا قبوًا ملاصقًا للقبو الموجود وأقاما فوقه مقعدًا كبيرًا للاستقبال، وسقفا البناءين القديم والجديد بالقرميد، وعمّرا قبّة الكنيسة واشتريا جرسًا لها وزيّنا داخل الكنيسة...أمّا الكابلّا التي بالقرب من الكنيسة فقد بناها القس بطرس الطيّاح الغزيري إذ كان رئيسًا عامًّا. وصورة مار يوحنّا المعمدان قدّمها يوسف مسعد من بيروت.