في دير سيّدة ميفوق بأعالي بلاد جبيل كنزٌ ثمين، إذ إنه يحتوي على أقدم أيقونة عَرَفتها الكنيسة المارونية، وهي التي يقول عنها الأب بطرس ضو في كتابه "تاريخ الموارنة" إنها السيّدة أم النور عند الموارنة كما جاء في كتاب "الهُدى" الماروني مُعاصر صورة سيّدة إيليج (طبعة فهد ص 256)". ويُفيدنا الأب عبدو بدوي، من الرهبنة اللبنانية المارونية، ان هذه الأيقونة وُجِدت في المقرّ البطريركي الماروني في منطقة القَطّارة – ميفوق، في دير سيّدة إيليج هذا، وقد رافقت البطاركة من سنة 1121 حتى سنة 1440 أي حتى رحيلهم إلى وادي قنّوبين، وبعد رَحيلهم بَقيت مَحفوظة حَيث هي في صِندوقٍ.. مُتعرضةً لكثير من العوامل السَلبية بِسَبَب عَدَم المُحافظة عليها بِشكل جيّد، إذ أصابها الحريق، وشُوّهت في أسفلها، بالإضافة إلى أسبابٍ أخرى أضَرّت بها. فَجَرى تَرميمُها لدى راهبات كَرمِل الوحدة في حريصا المُتَخَصِصات في هذا المجال، واستغرق الترميم حوالي ستّ سنوات بدءاً من العام 1985. إلاَّ أنه عندما بوشر بالدراسات المَخبَرية والتصوير بالأشعة كانت المفاجأة.. وهي أن الصورة تَحتَوي على عِدَّة طَبَقات تَصويرية مُتراكمة يَرجع أقدمها إلى القرن العاشر، أي أنها ثروة تاريخية وفكرية وفَنيَّة وإرث كبير. وقبل تَرميمها لم يكن عُمرها معلوماً، فكانوا يَعتبرون أنها رُسمت قبل 200 عام كحدٍّ أقصى، ولكن اكتُشف بِفَضلِ ما أُخضِعَت له من دراسة ومعالجة أنها أقدم أيقونة مارونية في لبنان وبلدان الانتشار.
وقد ألقُيَ الضوء على ثلاثة أمور أساسية في الأيقونة، أولها ان الشَمس والقَمر اللذين يظهران في أعلاها يَشيران إلى أن العذراء مريم هي سُلطانة الليل والنهار، ولكنَّ هذا الرمز تَحَوَّل على مَرّ الزمن، بعد سلسلة التَرميمات التي خضعت لها الأيقونة، إلى رأسَي ملاكين في أعلاها في الطبقة العاشرة منها، وقد يكون ذلك نتيجة التأثير الغربي. وثاني الأمور هو وجود ثلاث نُجوم، واحدة على جَبين العذراء، وأخرى على كَتفها اليُمنى، وهي في يدها اليُسرى تَحمِل يسوع وهو النَجمة الثالثة، مما يرمز إلى الحَبَل بلا دَنَس.
والأمر الثالث، أخيراً، هو أن اللَونين الطاغيين على الأيقونة هما اللون الأزرق واللون التُرابي، وفي علم الأيقونات يرمز اللون الأزرق إلى الدَيمومة واللون التُرابي إلى كل ما هو زائل. والعذراء في هذه الأيقونة تَجمَع اللونين، أي أن الله وَشَّحَها باللون الأزرق لكي تَكون أمّاً لله الإبن. وبالإضافة إلى ذلك يُلاحَظ وجود هالةٍ حول رأس العذراء هي عبارة عن اثنتي عشرة قِطعَة نَقدية مُستوحاة من سِفر الرؤيا الذي يتكلم عن المرأة الجَديدة التي تَحمِل على رأسها إكليلاً من اثني عشر كوكباً وتحت قدميها القمر، وهي حوّاء الجديدة التي وهبت الحياة. وتجدر الإشارة إلى أن التصميم الأساسي يُظهر لنا صورة "العذراء المُوَجِّهة"، وهي من النوع السريانيّ العريق الذي يعود إلى الأجيال المسيحية الأولى. ومن الخصوصيات السريانية أيضاً في الصورة فَتحَة المنديل حول رأس العذراء ( إم النور).
Location : https://goo.gl/maps/72QYWPmnuMwLMNaq8