برج طبرجا

بعد تسلّم المماليك لمقاليد الحكم، في منتصف القرن الثّالث عشر، كان هدفهم الرّئيسيّ القضاء على المغول والصّليبيّين في بلاد الشّام والأراضي المقدّسة، بحيث تمكّنوا من القضاء عليهم في العام 1290. وبعد غزوهم لبلاد الشّام وفرض سلطتهم، وبغية منع أيّة عمليّة إنزال من قبل الصليبيّين، عمدوا إلى إقامة خطّ دفاعيّ على طول الشّاطئ، وذلك ببناء قلاع وأبراج مراقبة، بالإضافة إلى تلك الّتي كانت قائمة، من أقصى الشّمال إلى أقصى الجنوب.

 

يقول الأب "مخائيل ناكوزي" في كتابه طبرجا والمحطّات الأسطوريّة :

"ومن آثارها برجٌ صليبيٌّ لا يزال قائماً على شاطئها حتّى اليوم، وهو واحدٌ من سلسلة أبراج بناها الصّليبيّون على طول الشّاطئ الفينيقيّ".

 

ويقول المستشرق البلجيكيّ الأب اليسوعيّ "هنري لامنس" (1862-1937)، في كتابه "تسريح الأبصار في ما يحتوي لبنان من الآثار":

"... فنواصل سيرنا من جسر المعاملتين شمالي خور جونيه إلى جبيل، ومن سلك هذه الطريق وجد عدّة أبراج ينسبها العامّة إلى "القدّيسة هيلانة الملكة"، وهي في الحقيقة أقرب منّا عهداً، قد ابتناها أصحابها، بعد عهد الفرنج المعروفين بالصّليبيّين، لمراقبة السّاحل".

 

أمّا "ليفون نورديغيان" مدير قسم الوثائق الفوتوغرافيّة في المكتبة الشّرقيّة - جامعة القدّيس يوسف، فيقول في كتابه "قلاعٌ وكنائسٌ في العصور الوسطى في لبنان":

"هذا البرج محاطٌ من الشّمال بمصبّ وادي غزير، وهو واحدٌ من سلسلة أبراج المراقبة المنتشرة على طول الشّاطئ. طول واجهته ثمانية أمتار بعرض ستّة أمتار، وسماكة جدرانه مترٌ وخمسةٌ وعشرون سنتيمتراً. هذا البرج ومراميه خير دليل على أنّه بني ورمّم خلال حقبتين مختلفتين.

من الجهة الشمالية للبرج، هنالك فتحاتٌ على مستويين: في الأسفل فتحةٌ لإنارة الإسطبل، وفي القسم الأعلى ثلاث مرام، أمّا من الجهة الغربيّة فهنالك مرماة سهام وكوّة للأسلحة النّاريّة البدائيّة."

 

يجزم "ليفون نورديغيان" بأنّ البرج هو مزيجٌ من الهندستين الصّليبيّة والمملوكيّة، والواضح أنّ الهندسة الصّليبيّة هي الطّاغية!

وبحسب التّقديرات، إنّ البرج المذكور قد أقامه الصّليبيّون مكان برج رومانيّ. ففي الحقبة الرّومانيّة، وفي منطقة طبرجا، قام برج مراقبة يؤمّن الاتّصال بقلعة فقرا، بواسطة برج كائن في أعالي رعشين. وكانت قد وجدت أيضًا في المنطقة المذكورة قواعد أعمدة تشهد على الهندسة الرّومانيّة.

 

يقع البرج في أطراف بلدة طبرجا لناحية خليج جونية، ، فوق شير يطلّ على مجمّع "أكوامارينا"، وواجهته إلى الجنوب الشّرقيّ. ويتألّف البرج من طابقين، عمق البرج ثمانية أمتار، طول واجهته سبعة أمتار أمّا سماكة جدرانه فتبلغ مترًا ونيّف.

يؤدّي مدخله، من الجهة الشّماليّة الشّرقيّة، إلى الطّابق السّفليّ المعقود، وهو مهدّمٌ بمعظمه. أمّا النّور فكان يدخله من كوّة صغيرة في حائطه الشّماليّ الغربيّ. والطّابق العلويّ القائم جزئياً، يحوي أيضاً على عقد مهدّم بمعظمه، حيث توجد ثلاث مرام من الجهة الشّماليّة الغربيّة، واثنتان من الجهة الجنوبيّة الغربيّة. وفي هذا السّياق أيضًا، نذكر أنّ بعضًا من حجارة البرج، يحمل نقوشاً بسيطة، وأرضه مرصوفةٌ ببلاط صخريّ حديث العهد، والوصول إليه شبه متعذّر، كون الطّريق المؤدّي إليه يمرّ في أملاك خاصّة.

 

يذكر أيضًا أنّ هذا البرج كان تحت سلطة بني عسّاف التّركمان في زمن المماليك، وكان ينسب خطأً إلى الإمبراطورة هيلانة.

Location: https://goo.gl/maps/1vLA8eRpz6zyC7My6