"وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. متّى ١٥:٥"
يَعود تَعَلُّق السّيّدة مارسيل أنيس الطّيّاح زوجة السّيّد جوزف بشارة الطّيّاح بالقدّيسة ريتا، إلى حين كانت مُدَرِّسة في مدرسة القلبين الأقدسين – غزير، وقد زادت تعلُّقًا بها بعد الزّواج، لمّا أضحت والدة لستّة أولاد.
في العام ١٩٦٣ تعرَّضت ابنتها جوزيت إلى سقطة أدّت الى خلع وركها. ورُغم عدّة عمليّات جراحيّة أجريت لها، لم تَتَمَكَّن الابنة من السّيرِ... فتضرّعت الوالدة للقدّيسة ريتا لشفائها، وما لبثَت أن تعافت، حتّى عَمَدَت السّيّدة مارسيل الى استبدال اسم جوزيت ب ريتا، وشيَّدت للقدّيسة المذكورة مزارًا صغيرًا بجوار منزلها، بمساعدة السّيّد سليم الغبيرة أحد أبناء الحيّ.
أمّا تجربتها القاسية الثّانية في حياتها العائليّة فقد كانت في العام ١٩٦٨ حين مَرِضَت ابنتها ريتا مُجدَّدًا، ولازَمت الفِراش لقصورٍ في عضلات القلب، وقد طالت مدّة علاجها ولكِن دون جدوى. عندها، قرَّرَت مارسيل وَقفَ العلاج الطُّبّيّ لابنتها والتجأت الى شفيعتها القدّيسة ريتا، وراحت تُعالجها بالتّراب والماء المُرسَل من دير ريتا في إيطاليا... وما لَبِثَت الابنة أن تعافت، بشهادة الأطباء، بأعجوبةٍ وُثِّقت في سِجِلّات القدّيسة ريتا، وتلقّت العائلة براءة بالأعجوبة.
وفي العام نفسه تَعَرَّض الأستاذ أنطون سعاده (النّائب لاحقًا) إلى حادث سيرٍ مُروّع، نجا منه بأعجوبة، فبادر الى وهبِ قطعة أرضٍ بجوار المزار بغية توسيعه، كعربون شُكرٍ للقدّيسة ريتا. فقامت السّيّدة مارسيل مع زوجها بِجَمع تَبَرُّعاتٍ من أبناء البلدة لتشييد مزارٍ أكبر، وبِهِمّة أهالي الحيّ بُني المزار.
ومنذ حينه، يُبادر أهالي الحيّ سنويًّا إلى إقامة الصّلوات طيلة الشّهر المريميّ مع تساعيّة القدّيسة ريتا والاحتفال بعيدها في 22 أيّار.
بالعودة الى القدّيسة ريتا، فقد وُلِدَت عام ١٣٨١ في قرية روكابورينا التّابعة لمدينة كاشا شمالي روما – إيطاليا. سُمِّيَت في العِمـاد "مـارغـريـتـا" وسَمَّاهـا الأقـارب اختصارًا "ريتـا ". ويأتي اسم ريتا من الاسم اللّاتينيّ "مارغريتـا" الّذي يعني اللّؤلؤة. وهي مَعروفة ب القدّيسة ريتا دي كاشيا شفيعة الأمور المُستحيلة.
كانت ريتا وحيدة لوالديها، إلّا أنّ المُحيط الّذي عاشت فيه طفولتها كان مشحونًا بالأحقاد والخصومات... وعندما بلغت ريتا الثّانية عشرة من عمرها، خطبها شاب عسكريّ اسمـه بول مانسيني، شَرِس الأخلاق...
تَزَوَّجَت ريتا عام ١٣٩٧، وما لَبِث أن توفّي والدها بعد مدّةٍ قصيرة من زواجها، وتبعته والدتها، مِمّا سبّب لها حُزنًا كبيرًا، خاصّةً أنّ زواجها كان صعبًا، وذلك بالنّظر إلى طباع زوجها، ولكنّها جاهدت وتَكيَّفت مع وضعِها. أنجبت ولدين توأمين، سُمِّي أحدهما جان جاكومو، والآخر باولو ماريا، وكان لولادتهما أثر إيجابيّ على أخلاق الوالد الّذي ما لبث أن تعرَّض لعملية اغتيال وهوعائد إلى قريته في العام ١٤٠٤
حين توفّي زوجها كان عمر ريتا ٣٤ عامًا، فثابرت على الاهتمام بولديها، وكانت على علمٍ بما يدور في خاطرهما من أفكار ثأرٍ لوالدهما، فأخذت تطلب من الله أن يمنع وقوع الجريمة، وحاولت تهدئة الولديـن وحَملِهِمـا علـى الغُفـران لقاتلـي والدهمـا، ولمّا لم تجد محاولاتهـا نفعـًا، إلتمست من الله أن يأخذهمـا قبل أن يرتكبـا الجريمة الّتي ينويان اقترافهـا، فاستجاب الله إلى تضـرعها، وتوفّي الولدان، الواحد تِلوَ الآخر خلال سنة ١٤٠٥
بعد وفاتهما، وجـدت ريتا نفسها أمام فراغٍ كبير، فامتثلت للمشورة الإنجيليّة، وباعـت كلّ ما كانت تملكه ووزّعته على الفقراء والمحتاجين وعلى المشاريع الخيريّة، وقرَّرَت بعدها الدّخول إلى دير مريم المَجدَليّة للرّاهبات الأوغسطينيّات في منطقة كاشا، إلّا أنّها رُفضت من قبل راهبات الدّير كونها أرمـلـة. لكنّ الله القدير دَبَّر لها أمر دخولها إلى الدّير بصورة خارقة، إذ نقلها إلى الدّير ليلًا، ووجدتها الرّاهبات صباحًا في القاعة فدُهشن، ولم يَسَعهنّ إلّا الرّضوخ لإرادة الله، وقَبِلنَ ريتا في الدّير سنـة ١٤٠٦.
عَمِلت ريتا على نشر المحبّة والسّلام. وفي جمعة الآلام سنة ١٤٣٥، تأثّرت بعِظة الرّاهـب الخطيـب الّذي تَحَدَّث عن آلآم المسيح. وفي طريق العودة من الكنيـسة، أخذت تُراجِع حياتها فـي جميع مراحلها، وعنـد وصولهـا إلى الدّيـر، دَخَلَت صَومَعَتهـا مُضْطَرِبة وراحت تصلّي أمام الصّليب، وإذا بها تَشعُر بأنّ إكليل الشّوك الّذي كُلِّلَ به رأس يسـوع قد وضِعَ على رأسهـا، فاهتزّ جِسمُهـا، وشحـب لونهـا وتدلّـى رأسهـا في شِبه غيبوبة، وأُصيبَ جَبينُها بجروحٍ نتيجة انغـراس شوكةٍ من الإكليل فيـه، واستمرّ الجرحُ ينزف مُدَّة خمسة عشـرة سنة، فكان علامة علـى اشتراكها في آلام يسوع اشتراكًـا مسـتمرًّا، ولم يختفِ الجرح إلّا خلال زيارتهـا لروما وبشكل مؤقّت، وكان يُسَبّبُ لهـا حَرَجًا أمام أخواتهـا الرّاهبات. ثمّ جاءها مرضٌ آخر سنة ١٤٤٣ وأرغمها على مُلازمة الفراش في صومعتها طوال أربعة أعوام.
وفي فجر ٢٢ أيّار ١٤٥٧، لَفَظَت أنفاسها الأخيرة وهي في السّابعة والسّبعين من عمرها، فدُفِنَ جُثمانها في ديرها، وبعد موتها كَثُرَت العجائب الّتي جَرَت بشفاعتها. وحينما بوشر بدعوى تطويبها وفتح قبرها، شَهِدَ الحاضرون أنّ جثمانها قد بقى سالمًا وهـو ما يزال حتّى أيّامنا في مقصورةٍ خاصّة في ديرها.
وفي العام ١٦٢٨ أعلنها البابا أوربانوس الثّامن (١٦٢٣ – ١٦٤٤) طوباويّة، وفي العام ١٩٠٠ أعلنها البابا ليون الثّالث عشر (١٨٧٨- ١٩٠٣) قدِّيسة.
يا قدّيسة ريتا شفيعة الأمور المستحيلة تضرّعي لأجلنا.