كنيسة المخلّص - كُبّا البترون

عِندما نَتَجاوَز، في طريقنا البَحريّة من بيروت إلى طرابلس، مدينة البترون بمسافةٍ قليلة، وعلى مُرتَفعٍ كائن على يَمين الطريق، شَرقيّ جِسر نَهر الجَوز، تُطلُّ علينا كنيسة Saint Sauveur، التي كان الأهالي يَدعوها "السان سابور"، والمقصود بالإسم "المخلّص القدّوس". وهي كنيسة مارونية، تَعود في تاريخها إلى العَهد الصليبي، وتَحديداً إلى القرن الثاني عشر. وتَقع ضِمنَ نِطاق قرية كُبّا، وهي قرية صغيرة مَشهورة بصِيد الأسماك.. مُزنّرة بإطارٍ أخضرَ، ويعني اسمها الشَّوك والعُلّيق، أو الكأس، أو قرصة من الخبز.

 

هذه الكنيسة لا تزال مُحافِظَةً على شَكلِها الهَندسيّ الأصليّ، ومَدخَلُِها الرئيسيّ من الجِهة الغربية مُلفتٌ للنظر بفخامته، وهو عَقدٌ خالٍ من النقوش تعلوه قَمْريَّة، وهي سِمَةٌ نموذجيّة للفنّ الرومانسي أو الرومانشي (Art Roman)، وقد تُرجِم هكذا إلى العربيّة تمييزاً له عن الفنّ الروماني (Art Romain).

 

وعلى واجِهة هذا المَدخَل لم يبقَ سوى خمس ركائز، يعلو كلاً مِنها ثِقبٌ مُستطيلٌ، مع ثلاثة مَسانِد ذات زوايا للوَصل، وهي الشَواهِد الوحيدة الباقية على أنه كان يوجَد في هذا الموضع رَواق خارجيّ لم يَعد له من أثرٍ الآن.. كما يقول الباحث Levon Nordiguian في كتابه “Chateaux et Eglises du Moyen Age au Liban”. والرَواق المَذكور كان يَمتدُّ ليس فقط على مَدى عرض البِناء، بل يتجاوزه في الجِهة الشَماليّة بعارضة ثُبِّتت هناك. وحِجارة الكنيسة غير مُنتظِمَة في نَحتها، بل يَشُذّ شكل كلٍّ منها عن الآخر، وهي حِجارة الدَبش الباقية على حالِها كما انتُزعت من مَقالعها مع قليلٍ من التسوية والتشذيب، وهو الطابع الذي يَظهر في جميع الكنائس المَبنيّة في زَمن الصَليبيين.

 

وإذا استعرضنا بناء الكنيسة من الخارج بَدَت لنا، في الجِهات الجَنوبيّة والغَربيّة والشَماليّة ، حِجارتها غير المُنتظمة، ولمحنا في جهتها الجنوبية ثلاث نوافذ ذات أشكالٍ مختلفة، مع نافذة واحدة في الجِهّة الشماليّة، وكُلّها مُقوَّسة في أعلاها، بينما الحَنيّةَ في الجِهة الشَرقيّة هي من الحَجَر المَقصوب. سقف الكنيسة مَعقودٌ، وهي ذات جِناحٍ واحدٍ ينتهي بحَنيَّة نُصف دائريّة يَتَوسَّطها المَذبح الذي تبدوعليه مَلامِح القِدَم كما سائر أجزاء البناء.

 

وكنيسة المُخلّص لم تَعُدْ تُقام فيها اليوم طقوس دينيّة إلاّ يومَ عيد الربّ الواقع في 6 آب. ولكنّها لم تَفقِد بذلك قيمَتها من حيثُ أنها جزء من تُراثنا الأثريّ والفنّي، ونموذج لطرازٍ من البناء هو الطِراز الصليبي الذي طبع حضارتنا كما حضارة الغرب في القرنَين الثاني عشر والثالث عشر.

 

وعلى مُستوى أدنى من هذه الكنيسة، على مَجرى نهر الجوز، تَقوم كنيسة كُرِّس مَذبَحُها للقدّيس يَعقوب  Saint James ، وهي عبارة عن مُصلّى صغير كائن جَنوب شَرق الكنيسة ، ومَبنيّ على أنقاض كنيسة صليبيّة، كانت بدَورها مبنية في مَوقِع كان يضمُّ  كنيسة بيزنطية، هي أيضاً كانت قد شُيِّدت مكان هيكل روماني.

 

وللأسف إن بَعض المُحسنين الغَيارى، الذين يَجهَلون القيمة التُراثيّة لهذه الأبنية، قاموا بَجمع كُتل الأحجار الأثريّة، التي كان بَعضُها ما زال يحمل أثراً لتصاوير جِدرانيّة، لاستعمالها في بناء مِصطَبة مُغلّفة بالإسمنت حول مُصلّى مار يَعقوب هذا.

Locationhttps://goo.gl/maps/9LWiE8yUtubfACbg6