ألمَغَارَةُ الَّتِي نَحن بِصَدَدِهَا، تُعرَف لَدَى العَامَّة مِن أَهَالِي المِنطَقَة بِاسمِ "مَغَارَةِ مَار سِمعَان"، وَهِيَ تُدعَى أَيضًا "مَحبَسَة مَار سِمعَان" وَتَقَعُ جَنُوبِيّ قَريَة عُبَيدَات التَّابِعَة لقضَاء جبيل، وَتَبعُد عَن العَاصِمَة بَيرُوت مَسَافَة 52 كِيلُومِتراً وتَرتَفِعُ 700 مترًا عَن سَطح البَحر. أمّا الطَّرِيقُ إِلَيهَا فتَنطَلِق مِن بَلدَة عَمشِيت مرورًا بِقَريَتَيّ حبَالين وَبَيت حَبّاق لِتَبلُغ عُبَيدَات. وَالمِنطَقَة المَوجُودَة فِيهَا المَغَارَة هِيَ عِبَارَةٌ عَن وَادٍ يُسَمّى "وَادِي البَوَالِيعِ"، وَتَبدُو كَتَجوِيفٍ مَحفُورٍ فِي الصَّخر، بِدَاخِله صُوَرٌ جُدرَانِيَّةٌ تَرقَى إِلَى القَرن الثَّاني عَشَر أَو الثَّالِث عَشَر بَعد المِيلَاد، إِنَّهَا مَحبَسَةُ مَار سِمعَانَ، حَيثُ الصُّوَر وَالكِتَابَات المَنقوشَة عَلَى جُدرَانِهَا قَد تَلِفَت بِفِعل الزَّمَن وَالعَوَامِل الطَّبِيعِيَّة، كَمَا شَوَّهَتهَا أَيدِي الزَّائِرِينَ عَن قَصدٍ أَو عَن جَهلٍ، فَكَثِيرٌ مِن زَائِرِيهَا عَمَدُوا إِلَى حَفرِ أَسمَائِهِم أَو بَعضِ الكِتَابَاتِ عَلَيها.
وَيُمكِنُنَا القَولُ إنَّهَا "كَابِيلّا" مَنحُوتَةٌ فِي الصَخرِ قَامَت عَلَى اسمِ مَار سِمعَان... فِي مُحيطٍ تَتَخَلَّلُهُ أَمَاكِن عِبَادَةٍ يَعُودُ تَارِيخُهَا إلَى حَوَالَي أَلف عَام. وَيَتِمُّ وُلُوج هذه المَغَارَة بِوَاسِطَة سُلَّمٍ خَشَبِيٍّ تَمَّ استِبدَالُهُ مُؤَخَّرًا بِسُلَّمٍ حَدِيدِيّ. وَفِي إِحدَى جَنَبَات هَذِهِ المَغَارَة الصَّغِيرَة تِمثَالٌ للعَذراء مَريَم، وَفِي نَاحِيَةٍ أُخرَى صُورَةٌ لِمَارِ سِمعَانَ وَاقِفًا عَلَى عَمُودِهِ مُبَارِكًا، مُصَلِّيًا، سَاجِدًا.
ذَكَرَ الدُّكتُور كِرِيستِيَان الخُورِي عَن هَذه المَغَارَة مَقَطَعاً فِي الجُزءِ السَّابِعِ، الّذي خَصَّصَهُ لقَضَاء جبِيل، مِن سِلسِلَة كُتُبِه الَّتِي أَصدَرَهَا تَحتَ عُنوَان: "العَذراء مَريَمَ فِي لُبنَانَ"، فَقَالَ، مُتَحَدِثًا عَن "دَيرِ مَار سَمعَانَ الأَثَرِيّ - البَوَالِيع": يَقُوم الدير عَلَى بُعد أَكثَرِ مِن نِصف سَاعَةٍ مَشيًا عَلَى الأَقدَامِ فِي الوَادِي المُسَمَّى بَوَالِيع مَارٍ سَمعَان، وَهُوَ مَحفُورٌ في الصَّخر، وَيَضُمُّ جُدرَانِيّاتٍ تَعُودُ إِلَى القَرنِ الثَّانِي عَشَرَ، تُشِير إِلَى مُزَاوَلَة الفَنّ المُقَدّسِ بِخُشُوعٍ وَتَقوَى، بَعِيدًا فِي أَسفَلِ الوَادِي، وَمِن بَينِ هِﺬهِ الجُدرَانِيّاتِ رَسمُ المَسِيح عَلَى عَرشِه بَين السَّيِّدَة العَذرَاءَ ومار يُوحنَّا المَعَمَدَانِ، وَحَولَهما مَلاكَان حَارِسَان، وَكِتَابَةٌ سِرَيَانِيَّةٌ لَم يَبقَ منهَا وَمِن الرُّسُومِ إلّا القَلِيل بِسَبَب عَوَامِل الطَّبِيعَة وَجَهل الإِنسَان. يَتمُّ الصُعُودُ إِلَى غُرَفِ الدَّير بِوَاسِطَة سَلَالِم خَشَبِيَّةٍ وَأُخرَى حَدِيدِيَّةٍ مُستَحدَثَةٍ". وَيُضِيفُ عَلَى ذَلَكَ: "تُجَاوِرُ دَيرَ مَار سِمعَان كَنِيسَةٌ "مَارت مُورَا"، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَن نَقرٍ في الصَخرِ، ويَجري العَمَل على إِعَادَة تَرمِيمها وَجَعلِها صَالِحَةً لِيَرتَادَهَا المُؤمِنُونَ"، وَلَكِنَّ هَذِه الكَنِيسَة خَالِيَةٌ مِنَ الرُّسُوم وَالكِتَابَات.
وفي هَذا الصَدَد تَقولُ الباحثة ندى حلو في كِتابِها “La Fresque (I)” : "نَجِد أثراً لمَشهَد التَضَرُّع مع مَلاكٍ في حَنيّة المَحبسَة، كما نَجِدُ على باقي الجُدران وجُوه قدّيسينَ يَصعُب التَّعرُّفُ اليها بِسَبَب عَبَث الزائرين فيها. ورسوم تلك المَحبَسَة تُذَكّر بجِدرانيات كنيسة بَحديدات، حتى أنَّه بِوسعِنا نسبها إلى الرَسّام نفسه الذي نَفَّذ رُسوم هذه الكنيسة".
Location: https://goo.gl/maps/DXDfSvVrQeLJgi4D9
https://www.youtube.com/watch?v=yKJi5adIR-k video