الحرير في غزير

يَعود تاريخ صِناعة الحَرير في لبنان إلى عَصر الفينيقيّين، لكنّ البداية الفِعليّة لهذه الصّناعة كانت في أوائل القرن التّاسع عشر حيثُ أنشأ رجل الأعمال الفرنسيّ كوفا فيغون أوّل معمل لحلّ الشّرانق في بلدة القرَيّة قضاء بعبدا وآخر في بلدة غزير، كما أن فرنسيًّا يُدعى نيكولا بورتاليس كان قد أتى الى لبنان وأسّسَ معملاّ لحلّ الشّرانق في بلدة بتاتر، وتَبِعَه إسكوتلنديٌّ اسمه سكوت وأسـَّـسَ معملاً آخــر فــي شملان، وكانت تلك الكرخانات من أقدم مَعامِل الحرير في البلاد. ثمَّ حذا حذوَهم عدّة رجال أعمال وكرّت السّبحة منذ ذلك الحين في بيروت وجبل لبنان... إلى أن حَلّت حوادث 1860 الّتي شَهِدَت تَدمير القطاع في أكثريّة مناطق جبل لبنان، إلّا أنّه سرعان ما أُعيد إحياء هذه الصّناعة فانطلقت بزخمٍ أقوى... وبذلك صارَت تَربية دودة القزّ مصدرًا رئيسيًّا من مصادِر ريع كافّة الطبقات الاجتماعيّة، إضافةً إلى زراعــة التّوت.

 

تَعود صناعة الحرير في أوروبا الى القرن الثّامن عشر، بعد أن دَخَلت إليها عبر طريق سُمِّي بـ"طريق التّوابل" كان معتَمَدًا لتجارة التّوابل بين آسيا والقرن الأفريقيّ وأوروبا. وكان الإنكليز روّاد هذه الصّناعة، بالإضافة الى إدخالهم صناعة الخزف الصّيني (البورسلان). ومع انطلاق الثّورة الصّناعيّة، نَشطَت وازدَهَرَت تلك الصّناعة وأصبحت كلفتها أقلّ، بِحيثُ أضحَت الطّبقات الوسطى مُستهلكة  للحرير أيضًا، خاصّةً بعد اختراع الآلات البخاريّة الّتي تَعمَل على الفَحِم الحَجَريّ واعتمادها في الصّناعات بَدلًا من الصّناعة اليدويّة. وحَيثُ أنّ الدّول الأوروبّيّة لم تَكُن قادِرَة على تَلبية هذه الزّيادة في الطّلب، بدأ تُجّار الحرير في فرنسا وإنكلترا بتحفيز بُلدان البحر المتوسّط  كإسبانيا وإيطاليا والسّلطَنَة العُثمانيّة على تَحسين وزيادة إنتاجها، كون تَكلِفته أدنى، ولأنّ مناخ تلك البلدان يتلاءم وإنتاج الحَرير. أمّا فيما خصَّ الإنتاج اللّبنانيّ فكان يُمَوَّل بِمُعظَمه من تُجّار مدينة ليون الفرنسيّة.

 

بَقي مـَـوسـَـم الــحـَـريــر من المواسم الأساسيّة للّبنانيّين حتى اندلاع الحرب العالميّة الاولى، فَبعَدما كانت تربية دودة القز تحتلّ المرتبة الأولى في قائمة الغلال الزّراعيّة، أصبَحَ الاعتماد بعد الحرب على زراعة الفاكهة والحبوب والخضار، وشيئًا فشيئًا غابَت زراعة التّوت، وحلّت مكانها زراعة شجرالتّفّاح والموز والحُمضيّات وغيرها من الأشجار المُثمرة.

 

بَلَغَ عدد المَعامِل في مناطق جبل لبنان حوالي200 معمل قبل الحرب العالميّة الأولى، وأضحى 40%  من الأراضي الزّراعيّة  مزروعة بِشَجَر التّوت و90% من الإنتاج يُصدَّر الى مدينة ليون الفرنسيّة، حتّى كادت تجارة الحرير تُشكّل مداخيل نُصف السّكّان . فكان لهذا الانتشار السّريع والكبير لزراعة شَجَر التّوت ومعامِل حلّ الشّرانق في لبنان، دَور كبير في تغيير طابَع المُجتمع اللّبنانيّ الّذي كان يسوده لتاريخه حكم البكوات والمشايخ والأمراء...  فأضحى مجتمعًا مختلفًا تمامًا تسوده فئات اجتماعيّة جديدة مَيسورَة من تُجّار وصيارفة وأصحاب مصانع... وما أغنية الفنّانة صباح "وإن كان بدّك تعشق تاجر بالحرير" إلّا صورة للأخوين الرّحباني مُستوحاة من نَسيج ذلك الزّمن الاجتماعيّ لِصناعة الحرير وتجارته آنذاك. 

 

والجَدير ذِكرُه أنّه وللمرّة الأولى أصبحت نساء القرى والمناطق الجبليّة جزءًا مُهمًّا من اليد العاملة في هذه الصّناعة كونها أقلّ كلفة. ورُغم احتِجاج البَعض مِن رجال دين وغيرهم، فقد أخَذَت المرأة حيّزًا مهمًّا في هذا المجال وباتت جزءًا لا يتجزّأ من صناعة الحرير في لبنان ، إلّا أنّ دورها اقتصر على العمالة في مُعظم الأحيان ولم يتعدّاه الى الإدارة الّتي اقتصرت على الرّجال فقط. 

 

بِالعَودَة الى بلدَة غزير الّتي وكما ذُكرنا سابقًا كانت من أوائل البلدات الّتي أُنشئت فيها معامل للحرير، فقد ضَمَّت ما بين مطلع القرن التّاسع عشر وعشرينات القرن الماضي مَعملين لحلّ الشّرانق يملكهما كلّ من السّيّدين طنّوس نصر وعويضه بركات عويضه، بالإضافة الى مَعَملين للسّجّاد المصنوع من خيط الحرير، أحدهما في "مدرسة مار لويس" في المزار،  التّابعة لعائلة زوين، والثّاني أُقيم في منزِلٍ في ساحة البلدة يَعودُ للسّيّد عويضه بركات عويضه.

المَعمَلان المذكوران كانا بإدارة جمعيّة إنسانيّة أميركيّة، Near East Relief  كانت تُعنى بالبنات الأرمنيّات اللّاجئات هربًا من المجازر العُثمانيّة آنذاك .بالاضافة الى مَصبَغَة لخَيط الحَرير خاصَّة بالسّيّد عويضه عويضه قائمة في حيّ الميدان، أضحت اليوم فبركة نجارة.

 

يُذكَر أنّ البَنات الأرمَنيّات اللآجِئات، حُكنَ سَجّادةً للرّئيس الأميركيّ كالفِن كوليج (1923-1929)، كَعُربون شُكرٍ لِما قَدَّمَه الشَّعب الأميريكيّ للمُشَرَّدين الأرمَن.

 

 

تواريخ مهمّة في صناعة الحرير 

 

1840- 1912 العصر الذّهبيّ للحرير 

1930 أوّل مؤتمر للحَرير، إصدار طوابع للمُناسبة 

1945 إنحِطاط صِناعة الحَرير في لبنان 

1956 إنشاء أوّل مَصلحَة مُستقلّة في لبنان، مكتب الحرير 

1965 ثاني مؤتمر للحَرير، إصدار طوابع للمناسبة 

1966 إنشاء أوّل مَعمَل أوتوماتيكيّ لحَلّ الشّرانِق مستورد من اليابان في كفرشيما 

1975 نَهِب مَعمَل كفرشيما 

1982 إلتحاق مكتب الحرير بوزارة الزّراعة 

1983 توقيف نَشاط مَكتب الحرير 

1992 تقديم برنامج لإعادة تأهيل صناعة الحرير في لبنان من قبل المنظّمة العالميّة للتّغذية والزّراعة 

1994 بداية موسم جديد 

1996 إعادة نشاط مكتب الحرير، توزيع نُصُب لِشَجَر التّوت وبَيض دود القزّ 

2000 قطف ثلاثة أطنان من الشّرانق 

2001 إفتتاح متحف الحرير- بسوس 

2002 عدم استقرار وضع مكتب الحرير من جديد